الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
معنى الآل

( وآله ) أي أتباعه على دينه . قال الإمام ابن القيم في جلاء الأفهام : قالت طائفة : يقال آل الرجل له نفسه ، وآله لمن تبعه ، وآله لأهله وأقاربه .

فمن الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه أبو أوفى بصدقته { اللهم صل على آل أبي أوفى } وقوله تعالى { سلام على إل ياسين } وقوله صلى الله عليه وسلم { اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم } فآل إبراهيم هو ( إبراهيم ) لأن الصلاة المطلوبة للنبي صلى الله عليه وسلم هي الصلاة على إبراهيم نفسه ، وآله تبع له فيها . ونازعهم في ذلك آخرون وقالوا لا يكون الآل إلا الأتباع والأقارب ، وقالوا وما ذكروا من الأدلة المراد بها الأقارب . ثم اختار من القولين أن الآل إن أفرد دخل فيه المضاف إليه كقوله تعالى { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } وأما إن ذكر الرجل ثم ذكر آله لم يدخل فيهم .

[ ص: 27 ] واختلف في آل النبي صلى الله عليه وسلم على أربعة أقوال ، فقيل : هم الذين حرمت عليهم الصدقة ، وفيهم ثلاثة أقوال :

أحدها أنهم بنو هاشم وبنو المطلب ، وهذا مذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه .

والثاني : أنهم بنو هاشم خاصة ، وهذا مذهب أبي حنيفة ، والرواية الثانية عن الإمام أحمد ، وهي المذهب الذي لا يفتى بغيره كما في الإقناع والمنتهى وغيرهما .

الثالث : أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب ، فيدخل فيهم بنو المطلب وبنو أمية وبنو نوفل ومن فوقهم إلى بني غالب ، وهذا اختيار أشهب من أصحاب مالك .

القول الثاني : أن آل النبي صلى الله عليه وسلم هم ذريته وأزواجه خاصة ، حكاه ابن عبد البر في التمهيد .

والقول الثالث : أن آله صلى الله عليه وسلم أتباعه إلى يوم القيامة ، حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم . وأقدم من روي عنه هذا القول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما .

ذكره البيهقي واختاره بعض الشافعية . قلت : وغالب علمائنا المتأخرين في مقام الدعاء خاصة .

والقول الرابع : أن آله صلى الله عليه وسلم هم الأتقياء من أمته ، حكاه القاضي حسين والراغب وجماعة . اشتقاق كلمة آل

وهل أصله أهل ثم قلبت الهاء همزة فقيل أأل ثم سهلت على قياس أمثالها فقيل آل بدليل تصغيره على أهيل ؟ أو أول من آل يئول إذا رجع ، فآل الرجل هم الذين يرجعون إليه ويضافون ، ويئولهم أي يسوسهم فيكون مآلهم إليه . ظاهر كلامه في جلاء الأفهام ترجيح الثاني .

وفي القاموس : آله أهل الرجل وأتباعه وأولياؤه ، ولا يستعمل إلا فيما فيه شرف غالبا ، فلا يقال آل الإسكاف كما يقال أهله . قال وأصله أهل أبدلت الهاء همزة فصارت أأل توالت همزتان فأبدلت الثانية ألفا تصغيره أويل وأهيل . انتهى .

قال في جلاء الأفهام : قال أصحاب القول الثاني : والتزمت العرب إضافته فلا يستعمل مفردا إلا نادرا كقول الشاعر :

نحن آل الله في بلدتنا لم نزل آلا على عهد إرم

[ ص: 28 ] والتزموا أيضا إضافته إلى الظاهر فلا يضاف إلى مضمر إلا قليلا .

وعند بعض العلماء إضافته إلى المضمر لحن قال ابن مالك : والصحيح ليس بلحن بل هو من كلام العرب لكنه قليل . قال تلميذه في كتابه المطلع : والصواب جواز إضافته إلى المضمر ومنه قول الشاعر :

أنا الفارس الحامي حقيقة والدي     وآلي فما تحمي حقيقة آلكا

وقال عبد المطلب في الفيل وأصحابه :

وانصر على آل الصلي     ب وعابديه اليوم آلك

فأضافه إلى الياء والكاف . وزعم بعض النحاة أنه لا يضاف إلا إلى علم من يعقل . وفي كلام العرب خلافه . قال الشاعر :

نجوت ولم يمنن عليك طلاقه     سوى زيد التقريب من آل أعوجا

وأعوج علم فرس .

وإنما أتبع الناظم الآل لرسول الملك المتعال لما تضافرت به الأخبار وصحت الآثار من قوله صلى الله عليه وسلم { قولوا اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم } إلى ما لا نحصيه عدا إلا بالإطالة .

التالي السابق


الخدمات العلمية