الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              278 - حدثنا أبو القاسم حفص بن عمر ، قال : حدثنا أبو حاتم الرازي ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن عيسى ، قال : قال حفص بن حميد ، قلت لعبد الله بن المبارك : على كم افترقت هذه الأمة ؟ فقال : الأصل أربع فرق : هم الشيعة ، والحرورية ، والقدرية ، والمرجئة ، فافترقت الشيعة على ثنتين وعشرين فرقة وافترقت الحرورية على إحدى وعشرين فرقة وافترقت القدرية على ست عشرة فرقة ، وافترقت المرجئة على ثلاث [ ص: 380 ] عشرة فرقة قال : قلت يا عبد الرحمن لم أسمعك تذكر الجهمية ، قال : إنما سألتني عن فرق المسلمين ، قال أبو حاتم : وأخبرت عن بعض أهل العلم أول ما افترق من هذه الأمة الزنادقة والقدرية والمرجئة والرافضة والحرورية فهذا جماع الفرق وأصولها ثم تشعبت كل فرقة من هذه الفرق على فرق وكان جماعها الأصل واختلفوا في الفروع فكفر بعضهم بعضا وجهل بعضهم بعضا فافترقت الزنادقة على إحدى عشرة فرقة وكان منها المعطلة ومنها المنانية وإنما سموا المنانية برجل كان يقال له ماني كان يدعو إلى الاثنين فزعموا أنه نبيهم وكان في زمن الأكاسرة ، فقتله بعضهم . ومنهم المزدكية لأن رجلا ظهر في زمن الأكاسرة يقال له مزدك . ومنهم العبدكية وإنما سموا العبدكية لأن عبدك هو الذي أحدث لهم هذا الرأي ودعاهم إليه . ومنهم الروحانية وسموا الفكرية ، ومنهم الجهمية [ ص: 381 ] وهم صنف من المعطلة ، وهم أصناف ، وإنما سموا الجهمية لأن جهم بن صفوان كان أول من اشتق هذا الكلام من كلام السمنية ، وهم صنف من العجم كانوا بناحية خراسان وكانوا شككوه في دينه وفي ربه حتى ترك الصلاة أربعين يوما لا يصلي ، فقال : لا أصلي لمن لا أعرف ثم اشتق هذا الكلام ، ومنهم السبئية ، وهم صنف من العجم يكونون بناحية خراسان وذكر فرقا أخر بصفات مقالاتهم . ومنهم الحرورية ، وافترقوا على ثماني عشرة فرقة وإنما سموا الحرورية لأنهم خرجوا بحروراء أول ما خرجوا ، فصنف منهم يقال لهم الأزارقة ، وإنما سموا الأزارقة بنافع بن الأزرق ، ومنهم النجدية ، وإنما سموا النجدية بنجدة ، ومنهم الأباضية وإنما [ ص: 382 ] سموا الأباضية بعبد الله بن أباض ، ومنهم الصفرية ، وإنما سموا الصفرية ، بعبيدة الأصفر ، ومنهم : الشمراخية ، وإنما سموا الشمراخية بأبي شمراخ رأسهم ، ومنهم السرية ، وإنما سموا السرية لأنهم زعموا أن دماء قومهم وأموالهم في دار التقية في السر حلال ، ومنهم الوليدية ، ومنهم العذرية ، وسموا بأبي عذرة رأسهم ، ومنهم العجردية وسموا [ ص: 383 ] بأبي عجرد رأسهم ، ومنهم الثعلبية ، سموا بأبي ثعلبة رأسهم ، ومنهم الميمونية ، سموا بميمون رأسهم ، ومنهم الشكية ، ومنهم الفضيلية ، سموا بفضيل رأسهم ، ومنهم الحرانية ، ومنهم البيهسية ، وسموا بهيصم أبي بيهس رأسهم ، ومنهم الفديكية ، سموا بأبي فديك وهم اليوم بالبحرين واليمامة ومنهم العطوية سموا بعطية ، ومنهم الجعدية ، [ ص: 384 ] سموا بأبي الجعد ؛ ومنهم الرافضة وافترقوا على ثلاث عشرة فرقة ، فمنهم البيانية ، سموا ببيان رأسهم وكان يقول إلي أشار الله بقوله : هذا بيان للناس .

              ومنهم السبائية ، تسموا بعبد الله بن سبأ ، ومنهم المنصورية ، سموا بمنصور الكسف ، وكان يقول : إلي أشار الله بقوله :

              وإن يروا كسفا من السماء ساقطا .

              ومنهم الإمامية ، ومنهم المختارية ، سموا بالمختار ، ومنهم [ ص: 385 ] الكاملية ، ومنهم المغيرية ، ومنهم الخطابية ، سموا بأبي الخطاب ، ومنهم الخشبية ، ومنهم الزيدية ، وذكر فرقا بصفات مقالاتهم ومنهم القدرية ، افترقوا على ست عشرة فرقة ، ومنهم المفوضة ، ومنهم [ ص: 386 ] المعتزلة ، وذكر صفات مقالاتهم حتى عد ست عشرة فرقة ، ومنهم المرجئة وافترقوا على أربع عشرة فرقة فذكر صفات مقالاتهم فرقة فرقة .

              قال الشيخ : فهذا يا أخي رحمك الله ما ذكره هذا العالم رحمه الله من أسماء أهل الأهواء وافتراق مذاهبهم وعداد فرقتهم وإنما ذكر من ذلك ما بلغه ووسعه وانتهى إليه علمه لا من طريق الاستقصاء والاستيفاء وذلك لأن الإحاطة بهم لا يقدر عليها والتقصي للعلم بهم لا يدرك وذلك أن كل من خالف الجادة وعدل عن المحجة واعتمد من دينه على ما يستحسنه فيراه ومن مذهبه على ما يختاره ويهواه عدم الاتفاق والائتلاف وكثر عليه أهلها لمباينة الاختلاف لأن الذي خالف بين الناس في مناظرهم وهيآتهم وأجسامهم وألوانهم ولغاتهم وأصواتهم وحظوظهم كذلك خالف بينهم في عقولهم وآرائهم وأهوائهم وإراداتهم واختياراتهم وشهواتهم ، فإنك لا تكاد ترى رجلين متفقين اجتمعا جميعا في الاختيار والإرادة حتى يختار أحدهما ما يختاره الآخر ويرذل ما يرذله إلا من كان على طريق الاتباع واقتفى الأثر والانقياد للأحكام الشرعية والطاعة الديانية ، فإن أولئك من عين واحدة شربوا فعليها يردون وعنها يصدرون قد وافق الخلف الغابر للسلف الصادر .

              [ ص: 387 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية