الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              1070 - حدثنا أبو حفص عمر بن محمد ، وأبو القاسم مليح بن أحمد بن مليح ، قالا : حدثنا عبد الوهاب بن عمرو ، قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن خالد بن عبد الله ، عن بيان ، عن الشعبي ، قال : هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين .

              قال : بيان من العمى وهدى من الضلالة وموعظة من الجهل .

              قال الشيخ : فأي عبد أتعس جدا ولا أعظم نكدا ولا أطول شفاء وعناء من عبد حرم البصيرة بنور القرآن والهداية بدلالته والزجر بموعظته . قال الله عز وجل بلسان عربي مبين . وقوله الحق والصدق ، قال : [ ص: 775 ] هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .

              فالهدى هدى الإيمان وهو القول ، والدين هو العمل وجميع الفرائض والشرائع والأحكام ومجانبة الحرام والآثام . فالدين ليس هو خصلة واحدة ولكنه خصال كثيرة من أقوال وأفعال ، من فرائض وأحكام ، وشرائع وأمر ونهي ، فقوله عز وجل :

              بالهدى ودين الحق

              يجمع ذلك كله حتى صار دينا قيما فمن كان من أهل الدين عمل بجميع ما فيه ومن آمن ببعضه وكفر ببعضه لم يكن من أهله .

              ومن قال الإيمان قول بلا عمل فليس هو من أهل دين الحق ولا مؤمن ولا مهتد ولا عامل بدين الحق ولا قابل له لأن الله عز وجل قد أعلمنا أن كمال الدين بإكمال الفرائض .

              قال الله عز وجل :

              اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا .

              وذلك أنه لما علم الله عز وجل الصدق منهم في إيمانهم والعمل بجميع ما افترضه عليهم من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج البيت وما بذلوه من مهج أنفسهم ونفقات أموالهم والخروج عن ديارهم وهجران آبائهم وقطيعة أهليهم وهجران شهواتهم ولذاتهم مما حرمها عليهم وعلم حقيقة ذلك من قلوبهم بما زينه الله تعالى في قلوبهم وحببه إليهم [ ص: 776 ] من طاعته والعمل بأوامره والانتهاء عن زواجره ، سمى هذه الأفعال كلها إيمانا ، فقال :

              ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلا من الله ونعمة .

              فاستحقوا اسم الرشاد بإكمال الدين . وذلك أن القوم كانوا في فسحة وسعة ليس يجب عليهم صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا كان حرم عليهم كثيرا مما هو محرم وكان اسم الإيمان واقعا عليهم بالتصديق ترفقا بهم لقرب عهدهم بالجاهلية وجفائها فجعل الإقرار بالألسن والمعرفة بالقلوب ، الإيمان المفترض يومئذ حتى إذا حلت مذاقة الإيمان على ألسنتهم وحسنت زينته في أعينهم وتمكنت محبته من قلوبهم وأشرقت أنوار لبسته عليهم وحسن استبصارهم فيه وعظمت فيه رغبتهم تواترت أوامره فيهم وتوكدت فرائضه عليهم واشتدت زواجره ونواهيه . فكلما أحدث لهم فريضة عبادة وزاجرة عن معصية ازدادوا إليه مسارعة وله طاعة ، دعاهم باسم الإيمان وزادهم فيه بصيرة ، فقال :

              فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير .

              وقال :

              يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم . . الآية .

              [ ص: 777 ] وقال : يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله .

              ثم قال في فرض الجهاد :

              كتب عليكم القتال وهو كره لكم .

              وقال : يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض .

              ونظائر لهذا في القرآن كثيرة .

              وقال في النهي : يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا .

              و : يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم

              و : يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان .

              فعلى هذا كل مخاطبة كانت منه لهم فيما أمر ونهى وأباح وحظر . وكان اسم الإيمان واقعا بالإقرار الأول إذا لم يكن هناك فرض غيره فلما نزلت [ ص: 778 ] الشرائع بعد هذا وجب عليهم التزام فرضها والمسارعة إليها كوجوب الأول سواء لا فرق بينهما لأنهما جميعا من عند الله وبأمره وإيجابه .

              ولقد فرضت الصلاة عليهم بمكة فصلوا نحو بيت المقدس ، فلما هاجروا إلى المدينة أقاموا بها يصلون نحوه ثمانية عشر شهرا ثم حولت القبلة نحو الكعبة فلو لم يصلوا نحو الكعبة كما أمروا لما أغنى عنهم الإقرار الأول ولا الإيمان المتقدم . ولقد بلغ بهم الإشفاق في الطاعة والمسارعة إليها أن خافوا على من مات وهو يصلي نحو بيت المقدس قبل تحويل القبلة حتى قال قائلهم : يا رسول الله فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون نحو بيت المقدس ؟ فأنزل الله عز وجل قرآنا أزال عنهم ذلك الإشفاق ، وأعلمهم به أيضا أن الصلاة إيمان .

              فقال عز وجل : وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم
              .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية