الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              837 - حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن أبي سهل الحربي قال : نا أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي ، قال : نا محمد بن حميد الرازي ، وحدثني أبو محمد عبد الله بن جعفر الكفي ، قال : نا أبو إسحاق [ ص: 650 ] إبراهيم بن إسحاق الحربي ، قالا : نا شجاع بن مخلد ، قالا : نا أبو نميلة يحيى بن واضح ، قال : نا عيسى بن عبيد الكندي ، عن جعفر بن عكرمة القرشي ، عن الضحاك بن مزاحم ، قال : إن أحق ما بدأ به العبد من الكلام أن يحمد الله ويثني عليه . فالحمد لله نحمده ونثني عليه بما اصطنع عندنا أن هدانا للإسلام وعلمنا القرآن ومن علينا بمحمد عليه السلام وأن دين الله الذي بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم هو الإيمان ، والإيمان هو الإسلام وبه أرسل المرسلون قبله ، فقال تعالى :

              وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون

              وهو الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين والتصديق والإقرار بما جاء من الله والتسليم لقضائه وحكمه والرضا بقدره وهذا هو الإيمان ومن كان كذلك فقد استكمل الإيمان ، ومن كان مؤمنا حرم الله ماله ودمه ووجب له ما يجب على المسلمين من الأحكام ، ولكن لا يستوجب ثوابه ولا ينال الكرامة إلا بالعمل فيه واستيجاد ثواب الإيمان عمل به والعمل به اتباع طاعة الله تبارك وتعالى في أداء الفرائض واجتناب المحارم [ ص: 651 ] والاقتداء بالصالحين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ومحافظة على إتيان الجمعة والجهاد في سبيل الله والاغتسال من الجنابة وإسباغ الطهور وحسن الوضوء للصلاة والتنظيف وبر الوالدين وصلة الرحم وصلة ما أمر الله به أن يوصل وحسن الخلق مع الخطاء واصطناع المعروف إلى الأقرباء ومعرفة كل ذي حق حقه من والد فوالدة فولده فذي قرابة فيتيم مسكين فابن سبيل فسائل فغارم فمكاتب فجار فصاحب فما ملكت اليمين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحب في الله تعالى والبغض في الله وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه والحكم بما أنزل الله وطاعة ولاة الأمر والغضب والرضا ووفاء بالعهد وصدق الحديث ووفاء بالنذور وإنجاز الموعود وحفظ الأمانة من كتمان السر أو المال وأداء الأمانة إلى أهلها وكتاب الدين المؤجل بشهادة ذوي عدل والاستشهاد على المبايعة وإجابة الداعي للشهادة وكتابة بالعدل كما علم الله وقيام الشهادة على وجهها بالقسط ولو على النفس والوالدين والأقربين ووفاء الكيل والميزان بالقسط وذكر الله تعالى عند عزائم الأمور وذكر الله تعالى على كل حال وحفظ النفس وغض البصر وحفظ الفرج وحفظ الأركان كلها عن الحرام وكظم الغيظ ودفع السيئة بالحسنة والصبر على المصائب والقصد في الرضا والغضب والاقتصاد في المشي والعمل ، والتوبة إلى الله تعالى من قريب ، والاستغفار للذنوب ومعرفة الحق وأهله ومعرفة العدل إذا رأى عامله ومعرفة الجور إذا رأى عامله كيما يعرفه الإنسان من نفسه إن هو عمل به ، ومحافظة على حدود الله ورد ما اختلف فيه من حكم أو غيره إلى عالمه ، وجسور على ما لم يختلف فيه من قرآن منزل وسنة ماضية ، فإنه حق لا شك فيه ، ورد ما يتورع فيه من شيء إلى أولي الأمر الذين يستنبطونه منهم وترك ما يريب إلى ما لا يريب ، واستئذان في البيوت ، فلا يدخل [ ص: 652 ] البيت حتى يستأذن ويسلم على أهله من قبل أن ينظر في البيت أو يستمع فيه فإن لم يجد فيها أحدا فلا يدخل بغير إذن أهلها فإن قيل : ارجعوا فالرجوع أزكى وإن أذنوا فقد حل الدخول ، وأما البيوت التي ليس فيها سكان وفيها المنافع لعابر السبيل أو لغيرهم يسكن فيها ويتمتع فيها فليس فيها استئذان ، واستئذان ما ملكت اليمين صغيرا أو كبيرا ومن لم يبلغ الحلم من حرمة أهل البيت ثلاثة أحيان من الليل والنهار أو آخر الليل قبل الفجر وعند القيلولة إذا خلا رب البيت بأهله ومن بعد صلاة العشاء إذا أوى رب البيت وأهله إلى مضاجعهم ، وإذا بلغ الأطفال من حرمة أهل البيت الحلم فقد وجب عليه من الاستئذان كل هذه الأحيان .

              واجتناب قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، واجتناب أكل أموال الناس بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم .

              واجتناب أكل أموال اليتامى ظلما واجتناب شرب الخمر واجتناب شرب الحرام من الأشربة والطعام واجتناب أكل الربا والسحت واجتناب أكل القمار والرشوة والغصب واجتناب النجش والظلم واجتناب كسب المال بغير حق ، واجتناب التبذير والنفقة في غير حق واجتناب التطفيف في الوزن والكيل واجتناب نقص المكيال والميزان واجتناب نكث الصفقة وخلع الأئمة واجتناب القدر والمعصية واجتناب اليمين الآثمة واجتناب بر اليمين بالمعصية واجتناب الكذب والتزيد في الحديث واجتناب شهادة الزور واجتناب قول البهتان واجتناب قذف المحصنة واجتناب الهمز واللمز واجتناب التنابز بالألقاب واجتناب النميمة والاغتياب واجتناب التجسس واجتناب سوء الظن بالصالحين والصالحات واجتناب الإصرار على الذنب والتهاون به واتقاء الإمساك عن الحق والتمادي في الغي والتقصير عن الرشد واتقاء الكبر والفخر والخيلاء واتقاء الفجور والمباراة بالشر . .

              واتقاء [ ص: 653 ] الإعجاب بالنفس ، واتقاء الفرح والمرح والتنزه من لفظ السوء والتنزه عن الفحش وقول الخنا والتنزه من سوء الظن والتنزه من البول والقذر كله فهذه صفة دين الله وهو الإيمان وما شرع الله فيه من الإقرار بما جاء من عند الله وبين من حلاله وحرامه وسننه وفرائضه قد سمى لكم ما ينتفع به ذوو الألباب من الناس وفوق كل ذي علم عليم . ويجمع كل ذلك التقوى فاتقوا الله واعتصموا بحبله ، ولا قوة إلا بالله أسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما نبلغ به رضوانه وجنته .

              قال الشيخ عبيد الله بن محمد : فهذه إخواني رحمكم الله شرائع الإيمان وشعبه وأخلاق المؤمنين الذين من كملت فيهم كانوا على حقائق الإيمان وبصائر الهدى وأمارات التقوى ، فكلما قوي إيمان العبد وازداد بصيرة في دينه وقوة في يقينه تزيدت هذه الأخلاق وما شاكلها فيه ولاحت أعلامها وأماراتها في قوله وفعله ، فكلها قد نطق بها الكتاب وجاءت بها السنة وشهد بصحتها العقل الذي أعلا الله رتبته ورفع منزلته وأفلج حجته وعلى قدر نقصان الإيمان في العبد وضعف يقينه يقل وجدان هذه الأخلاق فيه وتعدم من أفعاله وسجاياه وفقنا الله وإياكم لموجبات الرضا والعافية في الدارين من جميع البلاء .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية