الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              باب ذكر الآيات من كتاب الله عز وجل في ذلك

              قال الله عز وجل : وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل . . الآية .

              وقال الله عز وجل : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

              وقال : والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا .

              وقال :

              والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا .

              [ ص: 781 ] وقال عز وجل : لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله إلى قوله : وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم .

              وقال عز وجل : وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

              وقال عز وجل : والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون .

              وقال : الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون .

              وقال : لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون .

              إخواني ، فتأملوا هذا الخطاب واعقلوا عن مولاكم واعرفوا السبب الذي به أعد الله الخيرات والجنات هل تجدونه غير الإيمان والعمل . ولقد آمن قوم من أهل مكة وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وصدقوا التنزيل واتبعوا الرسول فاستثناهم الله عز وجل وميزهم من أهل حقائق الإيمان ، فقال :

              [ ص: 782 ] والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا .

              ثم ذكر قوما آمنوا بمكة أمكنتهم الهجرة وقدروا عليها فتخلفوا عنها فلم يدعهم باسم الإيمان لكن سماهم ظالمين وقال فيهم قولا عظيما ، فقال :

              إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا .

              وكل هذا يدل على بطلان ما تدعيه المرجئة وتذهب إليه من إخراجها الفرائض والأعمال من الإيمان وتكذيب لها أن الفواحش والكبائر لا تنقص الإيمان ولا تضر به .

              وقال عز وجل : إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط .

              وقال عز وجل : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم .

              وقال عز وجل : الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم .

              [ ص: 783 ] وقال عز وجل : الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب .

              وقال عز وجل : وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام .

              وقال عز وجل : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا .

              وقال : ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا .

              وقال : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا .

              وقال : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا .

              وقال عز وجل : إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا .

              [ ص: 784 ] وقال عز وجل : ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلا .

              وقال : وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى .

              وقال : إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد .

              وقال : إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير .

              وقال عز وجل : قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم .

              وقال عز وجل : الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم .

              وقال عز وجل : والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة [ ص: 785 ] غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون .

              وقال عز وجل : فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون .

              وقال عز وجل : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم .

              وقال في سورة السجدة : أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون .

              وقال : ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم . وقال عز وجل : وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون .

              وقال عز وجل : الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير .

              [ ص: 786 ] وقال عز وجل : وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا إلى قوله : فنعم أجر العاملين .

              وقال عز وجل : والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات . . الآية .

              وقال عز وجل : الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين إلى قوله : وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون .

              وقال عز وجل : فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين .

              وقال عز وجل : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون .

              وقال عز وجل : والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم .

              [ ص: 787 ] وقال عز وجل : إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم .

              وقال عز وجل : ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم .

              وقال عز وجل : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون .

              وقال : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية .

              وقال عز وجل : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر .

              قال الشيخ : فتفهموا رحمكم الله هذا الخطاب وتدبروا كلام ربكم عز وجل وانظروا هل ميز الإيمان من العمل أو هل أخبر في شيء من هذه الآيات أنه ورث الجنة لأحد بقوله دون فعله ؟ ألا ترون إلى قوله عز وجل : وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون .

              ولم يقل بما كنتم تقولون .

              [ ص: 788 ] وقال : ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى .

              ولم يقل : بما قالوا .

              وقال : ليبلوكم أيكم أحسن عملا .

              ولم يقل : أحسن قولا .

              وقال في قصة الكفار :

              فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل .

              ولم يقولوا : غير الذي كنا نقول .

              وقال عز وجل : آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا .

              فلم يفرد الإيمان حتى قال : كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله يقول أي بما في كتبه من أمره ونهيه وفرائضه وأحكامه ثم حكى ذلك عنهم حين صدقهم في قولهم وفعلهم ، فقال :

              وقالوا سمعنا وأطعنا .

              فيصير الإيمان بذلك كله إيمانا واحدا وقولا واحدا ولم يفرق بعضه من بعض .

              [ ص: 789 ] فمن زعم أن ما في كتاب الله عز وجل من شرائع الإيمان وأحكامه وفرائضه ليست من الإيمان وأن التارك لها والمتثاقل عنها مؤمن فقد أعظم الفرية وخالف كتاب الله ونبذ الإسلام وراء ظهره ونقض عهد الله وميثاقه . قال عز وجل :

              وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين .

              ثم قال : فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون .

              ثم قال : أفغير دين الله يبغون .

              ثم قال : فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون .

              فجمع القول والعمل في هذه الآية . وقال الله عز وجل : فمن زعم أنه يقر بالفرائض ولا يؤديها ويعلمها وبتحريم الفواحش والمنكرات ولا ينزجر عنها ولا يتركها وأنه مع ذلك مؤمن فقد كذب بالكتاب وبما جاء به رسوله ومثله كمثل المنافقين الذين قالوا :

              آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم

              [ ص: 790 ] فأكذبهم الله ورد عليهم قولهم وسماهم منافقين مأواهم الدرك الأسفل من النار على أن المنافقين أحسن حالا من المرجئة لأن المنافقين جحدوا العمل وعملوه والمرجئة أقروا بالعمل بقولهم وجحدوه بترك العمل به فمن جحد شيئا وأقر به بلسانه وعمله ببدنه أحسن حالا ممن أقر بلسانه وأبى أن يعمله ببدنه فالمرجئة جاحدون لما هم به مقرون ومكذبون بما هم به مصدقون فهم أسوأ حالا من المنافقين . ويح لمن لم يكن القرآن والسنة دليله فما أضل سبيله وأكسف باله وأسوأ حاله .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية