الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              1175 - حدثنا أبو شيبة عبد العزيز بن جعفر ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا مالك بن مغول ، عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قلت : يا رسول الله

              والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة .

              هو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر ، قال : لا ، يا بنت الصديق ، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق وهو يخاف أن لا يقبل منه .


              قال الشيخ : فلما أن لزم قلوبهم هذا الإشفاق لزموا الاستثناء في كلامهم وفي مستقبل أعمالهم فمن صفة أهل العقل والعلم أن يقول الرجل : أنا مؤمن إن شاء الله لا على وجه الشك ونعوذ بالله من الشك في الإيمان لأن الإيمان إقرار لله بالربوبية وخضوع له في العبودية وتصديق له في كل ما قال وأمر ونهى .

              [ ص: 865 ] فالشاك في شيء من هذا كافر لا محالة ، ولكن الاستثناء يصح من وجهين : أحدهما نفي التزكية لئلا يشهد الإنسان على نفسه بحقائق الإيمان وكوامله فإن من قطع على نفسه بهذه الأوصاف شهد لها بالجنة وبالرضاء وبالرضوان ، ومن شهد لنفسه بهذه الشهادة كان خليقا بضدها أرأيت لو أن رجلا شهد عند بعض الحكام على شيء تافه نزر فقال له الحاكم : لست أعرفك ولكني أسأل عنك ثم أسمع شهادتك ، فقال له : إنك لن تسأل عني أعلم بي مني أنا رجل زكي عدل مأمون رضي جائز الشهادة ثابت العدالة .

              أليس كان قد أخبر عن نفسه بضعف بصيرته وقلة عقله بما دل الحاكم على رد شهادته وأغناه عن المسألة عنه ، فما ظنك بمن قطع على نفسه بحقائق الإيمان التي هي من أوصاف النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحكم لنفسه بالخلود في جنات النعيم . ويصح الاستثناء أيضا من وجه آخر يقع على مستقبل الأعمال ومستأنف الأفعال وعلى الخاتمة وبقية الأعمار ويريد إني مؤمن إن ختم الله لي بأعمال المؤمنين وإن كنت عند الله مثبتا في ديوان أهل الإيمان وإن كان ما أنا عليه من أفعال المؤمنين أمرا يدوم لي ويبقى علي حتى ألقى الله به ولا أدري هل أصبح وأمسي على الإيمان أم لا ؟ وبذلك أدب الله نبيه والمؤمنين من عباده . قال تعالى :

              [ ص: 866 ] ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله .

              فأنت لا يجوز لك إن كنت ممن يؤمن بالله وتعلم أن قلبك بيده يصرفه كيف شاء أن تقول قولا جزما حتما إني أصبح غدا مؤمنا ولا تقول إني أصبح غدا كافرا ولا منافقا إلا أن تصل كلامك بالاستثناء فتقول إن شاء الله . فهكذا أوصاف العقلاء من المؤمنين .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية