الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 102 ] 426 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المساقاة على النخل بجزء من أجزاء ثمرها ، وفي المعاملة على الأرض بجزء مما يخرج منها .

2673 - حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، قال : حدثنا عبد الله بن نمير الهمداني ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من الزرع .

2674 - حدثنا يونس ، قال : أنبأنا ابن وهب ، قال : أخبرني أسامة بن زيد الليثي ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لما فتحت خيبر سألت يهود [ ص: 103 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم فيها على أن يعملوا على النصف مما خرج منها من الثمر والزرع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقركم فيها على ذلك ما شئنا ، فكانوا فيها كذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وطائفة من إمارة عمر ، فكان الثمر يقسم على السهمان من نصف خيبر ، ويأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس .

2675 - وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا محمد بن سابق ، وحدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا أبو عون الزيادي ، قالا : حدثنا إبراهيم بن طهمان ، قال : حدثنا أبو الزبير ، عن جابر قال : أفاء الله عز وجل خيبر ، فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 104 ] كما كانوا وجعلها بينه وبينهم ، فبعث ابن رواحة ، فخرصها عليهم .

2676 - حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا ، عن الحجاج ، عن الحكم ، عن أبي القاسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بالشطر ، ثم أرسل ابن رواحة فقاسمهم .

[ ص: 105 ] قال أبو جعفر : ففيما روينا من هذه الآثار إطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم المساقاة في النخل بجزء من أجزاء ثمرها الذي يخرج منها والمعاملة في الأرض بجزء مما يخرج منها من الزرع الذي يزرعه فيها المعامل عليها .

فقال قائل : كيف يجوز لكم أن تضيفوا هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعاملة في الأرض كما ذكرتم ، وأنتم تروون عنه النهي عن المزارعة في الأرض ، والنهي عن المحاقلة ، وهي هذا بعينه ؟ .

2677 - وذكر ما قد حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا أبو نعيم ، والمعلى بن منصور ( ح ) وحدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، ثم اجتمعوا جميعا فقالوا : حدثنا أبو الأحوص ، عن طارق بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن المسيب ، عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة ، وقال : إنما يزرع ثلاثة : رجل له أرض فهو يزرعها ، ورجل منح أخاه أرضا ، فهو يزرع ما منح منها ، ورجل اكترى بذهب أو بفضة .

[ ص: 106 ]

2678 - حدثنا يونس ، قال : أنبأنا ابن وهب ، قال : أخبرني جرير بن حازم ، عن يعلى بن حكيم ، عن سليمان بن يسار ، عن رافع بن خديج قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كانت له أرض فليزرعها أو يزرعها أخاه ولا يكترها بالثلث ، ولا بالربع ، ولا بطعام مسمى .

فكان جوابنا له في ذلك - بتوفيق الله عز وجل وعونه - : أن الذي رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملته بخيبر في نخلها وفي أرضها قد كان [ ص: 107 ] في زمنه وفي زمن أبي بكر بعده ، وفيما شاء الله عز وجل من زمن عمر بعد أبي بكر ، وذلك يدل على بقاء حكم تلك المعاملة في الأرض ، وتلك المساقاة في الشجر وعلى أنه لم يلحقهما نهي ولا نسخ .

ثم التمسنا ما روي عنه صلى الله عليه وسلم فيما سوى خيبر لنقف على نهيه الذي روي عنه فيه وما كان سببه .

2679 - فوجدنا نصر بن مرزوق ، وابن أبي داود قد حدثانا قالا : حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث بن سعد ، قال : حدثنا عقيل ، عن ابن شهاب قال : أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يكري أرضه حتى بلغه أن رافع بن خديج الأنصاري كان ينهى عن كراء الأرض ، فلقيه فقال : يا ابن خديج ، ماذا تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كراء الأرض ؟ فقال : سمعت عمي ، وكانا قد شهدا بدرا يحدثان أهل الدار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض ، قال عبد الله : لقد كنت أعلم أن الأرض كانت تكرى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خشي عبد الله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث في ذلك شيئا لم يكن علمه ، فترك كراء الأرض .

[ ص: 108 ] ففي هذا عن ابن عمر أنه قد كان علم أن أرضا كانت تكرى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال هذا القائل : فليس في هذا أنها كانت تكرى ببعض ما يخرج منها ، وقد يجوز أن يكون كانت تكرى بالدنانير أو بالدراهم .

فكان جوابنا له في ذلك - بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن ابن عمر لم يرد بقوله هذا إلا إعلام رافع أنه قد كان علم أن أرضا كانت تكرى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المعنى الذي يطلق ما روى له رافع مما يحظره ، وقد روي عنه أيضا ما يدل على أن معنى نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عن كراء الأرض بالثلث وبالربع لمعنى كانوا يدخلونه في ذلك مما يفسد المزارعة عليه .

2680 - كما قد حدثنا الربيع بن سليمان الأزدي الجيزي ، قال : حدثنا حسان بن غالب ، قال : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، أن رافع بن خديج أخبر عبد الله بن عمر ، وهو متكئ على يدي أن عمومته جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم رجعوا فقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع ، فقال ابن عمر : قد علمنا أنه كان صاحب مزرعة يكريها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن له ما في ربيع الساقي الذي تفجر فيه الماء ، وطائفة من التبن ما أدري ما هو .

[ ص: 109 ] ففي هذا ما قد دل أن المعاملة كانت على بعض ما يخرج من الأرض مما يدخله ما يفسدها من استئثار رب الأرض بطائفة من أرضه ، يكون له ما يخرج منها مما يزرعه فيها معاملة ، ويكون له مع ذلك طائفة من التبن الذي يكون من الحنطة الخارجة من الأرض ، وذلك يفسد المزارعة ، فكان النهي الذي كان من رسول الله عن المزارعة هو للفساد الذي دخلها ، لا أنها في نفسها إذا زال عنها ذلك الفساد فاسدة .

وقد روي مثل ذلك عن سعد بن أبي وقاص .

2681 - كما حدثنا أحمد بن أبي داود ، قال : حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد .

2682 - وكما حدثنا محمد بن الحارث بن صالح المخزومي ، [ ص: 110 ] قال : حدثنا أبو مصعب الزهري ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، قال : حدثني محمد بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث ، عن ابن لبيبة ، عن سعيد بن المسيب ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : كان الناس يكرون المزارع بما يكون على الساقي ، وبما يسعد بالماء من ما حول البئر ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وقال : أكروها بالذهب والورق .

[ ص: 111 ] وقد روي عن جابر بن عبد الله أن النهي عن المزارعة كان لهذا المعنى أيضا .

2683 - كما حدثنا يونس ، قال : حدثنا عبد الله بن نافع المدني ، عن هشام بن سعد ، عن أبي الزبير المكي ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن رجالا كانوا يكرون مزارعهم بنصف ما يخرج منها وبثلثه وبالماذيانات ، فقال في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كانت له أرض فليزرعها ، فإن لم يزرعها فليمنحها أخاه ، فإن لم يفعل فليمسكها .

[ ص: 112 ]

2684 - وكما حدثنا يونس ، قال : أنبأنا ابن وهب ، قال : أخبرني هشام بن سعد أن أبا الزبير المكي حدثه ، قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم نأخذ الأرض بالثلث أو الربع بالماذيانات ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك .

2685 - وكما حدثنا سليمان بن شعيب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن زياد ، قال : حدثنا زهير بن معاوية ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : كنا نخابر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فنصيب من كذا ، فقال : من كانت له أرض فليزرعها أو ليحرثها أخاه ، وإن لا فليدعها .

وقد روي عن رافع بن خديج مثل ذلك أيضا .

[ ص: 113 ]

2686 - كما حدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثنا حامد بن يحيى ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري ، قال : أنبأنا حنظلة بن قيس الزرقي أنه سمع رافع بن خديج يقول : كنا أكثر أهل المدينة حقلا ، وكنا نقول للذي نخابره : لك هذه القطعة ولنا هذه القطعة تزرعها لنا فربما أخرجت هذه القطعة ، ولم تخرج هذه شيئا ، وربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه شيئا ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك .

2687 - وكما حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أنبأنا يحيى بن حبيب بن عربي ، عن حماد بن زيد ، عن يحيى ، عن حنظلة بن قيس ، عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء أرضنا ولم يكن يومئذ ذهب ولا فضة ، وكان الرجل يكري أرضه بما على الربيع ، والأقبال ، وأشياء معلومة ، وساق الحديث .

[ ص: 114 ]

2688 - وكما حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أنبأنا محمد بن عبد الله بن المبارك ، قال : أنبأنا حجين بن المثنى ، قال : حدثنا الليث ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن حنظلة بن قيس ، عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال : حدثني عم لي : أنهم كانوا يكرون الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ينبت على الأربعاء وشيء من الزرع يستثنيه صاحب الأرض ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك .

2689 - وكما حدثنا أحمد ، قال : حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن الرقي ، قال : حدثنا عيسى - وهو ابن يونس - قال : حدثنا الأوزاعي ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن حنظلة بن قيس الأنصاري ، قال : سألت رافع بن خديج ، عن كراء الأرض بالذهب أو الورق ، فقال : [ ص: 115 ] لا بأس بذلك إنما كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤاجرون بما على الماذيانات وأقبال الجداويل ، فيسلم هذا ويهلك هذا أو يهلك هذا ويسلم هذا ، ولم يكن للناس كراء إلا هذا ، فلذلك زجر عنه ، فأما شيء معلوم مضمون ، فلا بأس .

فكان فيما روينا ما قد دل على نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إياهم عن المزارعة على جزء مما تخرج الأرض لهذا الفساد الذي كانوا يدخلونه فيها ، لا لما سوى ذلك مما يخالف ما كان منه في دفعه أرض خيبر إلى اليهود بنصف ما يخرج منها .

وقد روي عن زيد بن ثابت أن الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها لم يكن للنهي عنها ، ولا لتحريمها ، وأنه كان لغير ذلك .

2690 - وكما حدثنا علي بن شيبة ، قال : أنبأنا يحيى بن يحيى ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار ، عن الوليد بن أبي الوليد ، عن عروة بن الزبير ، عن زيد بن ثابت أنه قال : يغفر الله لرافع ، أنا والله كنت أعلم [ ص: 116 ] بالحديث منه ، إنما أتى رجلان من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اقتتلا ، فقال : إن كان هذا شأنكم ، فلا تكروا المزارع ، فسمع لا تكروا المزارع ، وقد روي عن ابن عباس في ذلك أيضا .

2691 - ما قد حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا إبراهيم بن بشار ( ح ) وما قد حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا أسد قالا : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ( ح ) وما قد حدثنا الربيع أيضا ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، عن عمرو ، ثم اجتمعوا ، فقالوا : [ ص: 117 ] عن طاوس قال : قلت له : لو تركت المخابرة ، فإنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها ، فقال : أخبرني أعلمهم - يعني : ابن عباس - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها ، إنما قال : لأن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما .

قال أبو جعفر : ولما وقفنا على هذه المعاني تبين لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عن مثل ما كان منه في خيبر من المعاملة على أرضها بنصف ما يخرج منها على النسخ لذلك ، ولكنه لمعنى كان مما يفسد المعاملة ، فكان نهيه لذلك ، وكان ما عمله في خيبر على حكمه لم ينسخه شيء .

فقال قائل : أما المساقاة في النخل بجزء من ثمرها ، فإنا لا [ ص: 118 ] نخالفك في ذلك ، وأما المزارعة في الأرض فإنا نخالفك في ذلك ، ونذهب إلى أنها المحاقلة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

2692 - وذكر في ذلك ما قد حدثنا بكار ، قال : حدثنا حسين بن حفص الأصبهاني ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا سعد بن إبراهيم ، قال : حدثني عمر بن أبي سلمة ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة .

2693 - وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو داود ، عن سليم بن حيان ، عن سعيد بن ميناء ، عن جابر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

قال هذا القائل : والمحاقلة هي كراء الأرض ببعض ما يخرج منها .

[ ص: 119 ] فكان جوابنا له في ذلك - بتوفيق الله عز وجل وعونه - : أن المحاقلة لم نوافق على أن تأويلها على ما تأولها عليه ؛ لأنه روي في تأويلها غير ما تأولها عليه .

2694 - كما حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا محمد بن مسلم الطائفي ، قال : أخبرني إبراهيم بن ميسرة ، قال : أخبرني عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة ، والمزابنة ، والمحاقلة .

والمخابرة على الثلث والربع والنصف من بياض الأرض .

والمزابنة بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر ، وبيع العنب في الشجر بالزبيب .

والمحاقلة بيع الزرع قائما على أصوله بالطعام .

[ ص: 120 ]

2695 - وكما حدثنا الحسن بن غليب ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد الخدري قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة في الزرع والمزابنة في التمر ، قال : والمحاقلة : الرجل يأتي الزرع وهو في كدسه ، فيقول : أشتري منك هذا الكدس بكذا وكذا ، يعني : من الحنطة ، والمزابنة : أن يأتي التمر في رؤوس النخل ، فيقول : آخذ منك هذا بكذا وكذا من التمر ، [ ص: 121 ] فبين لنا بهذا الحديث المحاقلة ما هي ، وأنها خلاف كراء الأرض ببعض ما يخرج منها من الأجزاء المعلومة .

وأما المخابرة المذكور نهيه عنها في هذا الحديث ، وأنها على الثلث والربع من بياض الأرض ، فذلك على ما قد بينه أبو الزبير عنه ، يضيفونه إليها مما يفسدها .

وقال قائل آخر : أجيز المعاملة على الأرض التي بين النخل التي لا يوصل إلى الانتفاع بها إلا مع العمل في النخل ، ولا أجيز المعاملة عليها وحدها .

فكان جوابنا له في ذلك - بتوفيق الله عز وجل وعونه - : أن ابن عمر أحد من روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم معاملته اليهود في نخل خيبر وأرضها ، وقد روي عنه في المعاملة على الأرض دون النخل أنه جائز .

كما حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال : حدثني أسباط بن محمد ، عن كليب بن وائل قال : قلت لابن عمر : آتي رجلا له أرض وماء ، وليس له بذر ، ولا بقر ، أحرث أرضه بالنصف فزرعتها ببذري وبقري فناصفته ؟ فقال : حسن .

[ ص: 122 ] فهذا ابن عمر قد أجاز المعاملة على الأرض وحدها بنصف ما يخرج ، كما عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على نخل خيبر وعلى أرضها بجزء مما يخرج منهما ، وقد عمل بذلك غير واحد من أصحابه بعده .

كما حدثنا موسى بن الحسن السقلي ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، قال : أنبأنا سفيان ، قال : أنبأنا الحارث بن حصيرة ، عن صخر بن الوليد ، عن عمرو بن صليع ، قال : جاء رجل إلى علي بن أبي طالب ، فقال : إن فلانا عمد إلى أرض فزرعها ، فدعا علي بالرجل ، فقال : أخذتها بالنصف من صاحبها أكريها وأعالجها ، وما خرج من شيء فله النصف ولي النصف ، فلم ير به بأسا .

[ ص: 123 ] قال أبو جعفر : وهذا الحديث فحسن الإسناد ، ذكر البخاري أن عمرو بن صليع بصري من محارب بن خصفة ، وأن له صحبة ، روى عنه صخر بن الوليد ، وذكر أن الحارث بن حصيرة أزدي ، وإن كنا لا نحتاج إلى ذلك فيه لشهرته وقبول الناس روايته ، غير أنه أوردناه لذكره قبيلته .

وكما حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر قال : سمعت أبي يذكر عن موسى بن طلحة قال : أقطع عثمان رضي الله عنه نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود ، والزبير بن العوام ، وسعد بن مالك ، وأسامة ، وكان جاراي منهم : سعد ، وابن مسعود يدفعان أرضهما بالثلث والربع .

[ ص: 124 ]

وكما حدثنا فهد ، قال : حدثنا محمد بن سعيد ، قال : أنبأنا شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر قال : سألت موسى بن طلحة ، عن المزارعة ، فقال : أقطع عثمان رضي الله عنه عبد الله أرضا ، وأقطع سعدا أرضا ، وأقطع خبابا أرضا ، وأقطع صهيبا أرضا ، فكلا جاري كانا يزارعان بالثلث والربع .

وكما حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن موسى بن طلحة بنحوه ، وزاد : وخباب [ ص: 125 ] وفي ذلك ما هو أعلى من هذا ، وهو ما كانوا عليه باليمن لما قدم عليهم معاذ بن جبل عاملا عليها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

كما حدثنا بكار ، قال : حدثنا إبراهيم بن بشار ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن طاوس أن معاذا قدم اليمن وهم يخابرون ، فأقرهم على ذلك .

وكما حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يحيى بن يحيى ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن عمرو ، عن طاوس أن معاذا لما قدم اليمن كان يكري الأرض ، أو المزارع على الثلث أو الربع ، أو قال : قدم وهم يفعلونه ، فأمضى ذلك .

قال أبو جعفر : والتابعون فمختلفون في ذلك كاختلاف من بعدهم فيه ، فأما من أجاز مزارعة الأرض ببعض ما يخرج مع المساقاة في النخل ببعض ما يخرج ، فإنه يلزمه أن يجيز كل واحدة منهما على الانفراد ، كما يجيزها مع صاحبتها ؛ لأن المعاملة قد وقعت في كل [ ص: 126 ] واحدة منهما ، فلكل واحدة منهما حكمها ، وإذا كان حكمها مع صاحبتها الجواز كان حكمها على الانفراد كذلك أيضا .

فأما من أجاز ذلك من فقهاء الأمصار ، فأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن .

وأما مالك فكان مذهبه إجازة المساقاة التي ذكرنا ، وإبطال المزارعة التي وصفنا .

فأما أبو حنيفة وزفر ، فكان مذهبهما إبطالهما جميعا .

وأما الشافعي فكان يجيزهما إذا اجتمعتا في أرض واحدة ذات نخل ، ويجيز المساقاة في النخل بلا أرض ، ولا يجيز المعاملة في الأرض بجزء ما يخرج منها ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة وقد كان منه في خيبر المعاملة في الأرض ، والمساقاة في النخل جميعا ، ولم يبين لنا أن المحاقلة التي نهى عنها من ذلك الجنس ، إذ كان جابر بن عبد الله ، وهو ممن روي ذلك النهي عنه قد قال لنا : إنها بيع الزرع القائم على أصوله بالطعام ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية