الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 372 ] 460 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحيات من إطلاق قتلها ، ومن ترك الرخصة في ذلك ، وما روي عنه فيها مما يخالف ذلك .

2926 - حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا طالوت بن عباد ، قال : حدثنا داود بن أبي الفرات ، عن محمد بن زيد العبدي ، عن أبي الأعين العبدي ، عن أبي الأحوص الجشمي ، قال : بينا ابن مسعود يخطب ذات يوم فإذا هو بحية تمشي على الجدار ، فقطع خطبته ، وضربها بقضيبه - حتى قتلها ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من قتل حية فكأنما قتل رجلا مشركا قد حل دمه .

[ ص: 373 ]

2927 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن سالم ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : اقتلوا الحيات ، واقتلوا ذا الطفيتين ، والأبتر ، فإنهما يلتمسان البصر ، ويسقطان الحبل ، فمن وجد ذا الطفيتين والأبتر ، فلم يقتلهما ، فليس منا .

[ ص: 374 ]

2928 - حدثنا محمد بن عزيز الأيلي ، قال : حدثنا سلامة بن روح ، عن عقيل ، قال : وأخبرني محمد بن مسلم أن سالم بن عبد الله أخبره أنه سمع عبد الله بن عمر يقول : اقتلوا ذا الطفيتين والأبتر ، فإنهما يلتمسان البصر ، ويسقطان الحبل .

2929 - حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحيات : ما سالمناهن منذ حاربناهن من تركهن خشية ، فليس منا .

[ ص: 375 ] قال : ففيما روينا الأمر بقتل الحيات كلها ، وترك الرخصة في ذلك ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهيه عن قتل ذوات البيوت منها .

2930 - كما حدثنا عبد الغني بن أبي عقيلة ، قال : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اقتلوا الحيات ، وذا الطفيتين والأبتر ، فإنهما يلتمسان البصر ، ويسقطان الحبل ، قال : وكان ابن عمر يقتل كل حية يراها ، فرآه أبو لبابة أو زيد بن الخطاب ، وهو يطارد حية ، فقال : إنه نهى عن ذوات البيوت .

2931 - وكما حدثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا الدراوردي ، عن محمد بن عبد الله بن مسلم ، عن عمه ، عن سالم قال : سمعت ابن عمر رضي الله عنه يقول : اقتلوا الحيات ، واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر ، فإنهما يلتمسان البصر ، ويسقطان الحبل ، قال ابن عمر : فكنت لا أترك حية في الأرض قدرت عليها إلا قتلتها ، فبينا أنا أطلب حية من ذوات البيوت أبصرني زيد بن الخطاب رضي الله عنه وأبو لبابة ، فقالا : مه مه يا عبد الله ، فقلت : إن رسول [ ص: 376 ] الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بقتلها ، فقال : لا ، فإنه قد نهى عن ذوات البيوت ، يريد : عوامر البيوت .

2932 - وكما حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا يونس بن محمد ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، قال : سمعت نافعا ، عن ابن عمر أنه كان يقتل الحيات كلها لا يدع منها شيئا ، وحدثه أبو لبابة البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت ، فأمسك .

2933 - كما حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، ثم ذكر مثله .

[ ص: 377 ]

2934 - وكما حدثنا يونس ، قال : أنبأنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن نافع ، عن ابن عمر ، عن أبي لبابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي في البيوت .

2935 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أسامة بن زيد الليثي ، عن نافع أن أبا لبابة مر بعبد الله بن عمر ، وهو عند الأطم الذي عند دار عمر يرصد حية ، فقال أبو لبابة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا عبد الرحمن قد نهى عن قتل عوامر البيوت ، فانتهى عبد الله بن عمر بعد ذلك ، ثم وجد بعد ذلك في بيته حية ، فأمر بها ، فأخذت فخرجت ببطحان ، قال نافع : رأيتها بعد ذلك في بيته .

2936 - كما حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا قبيصة ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل [ ص: 378 ] الجنان في البيوت .

2937 - وكما حدثنا يونس ، قال : أخبرني أنس بن عياض ، عن يحيى بن سعيد قال : أخبرني نافع أن أبا لبابة بن عبد المنذر الأنصاري كان مسكنه بقباء ، فانتقل إلى المدينة ، فبينما ابن عمر جالس معه ، ففتح له خوخة إذا هو بحية من عوامر البيوت ، فأراد قتلها ، فقال أبو لبابة : إنه قد نهي عنهن ، يريد عوامر البيوت ، وأمر بقتل الأبتر وذي الطفيتين ، وقال : هما اللذان يلتمعان البصر ، ويطرحان أولاد النساء .

قال : ففي هذه الأحاديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل ذوات البيوت بعد أن كان أمر بقتل الحيات كلها ، فكان ذلك أولى من الأحاديث الأول ؛ لأن فيها نسخ بعض ما في الأحاديث الأول .

ثم نظرنا في السبب الذي به كان ذلك النسخ ما هو .

2938 - فوجدنا يونس قد حدثنا ، قال : أنبأنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن صيفي مولى ابن أفلح قال : أخبرني [ أبو ] السائب مولى هشام بن زهرة أنه قال : دخلت على أبي سعيد الخدري في بيته فوجدته [ ص: 379 ] يصلي ، فجلست أنتظره متى تنقضي صلاته ، فسمعت تحريكا في عراجين في ناحية البيت ، فالتفت ، فإذا حية ، فوثبت لأقتلها ، فأشار إلي أن اجلس ، فجلست ، فلما انصرف أشار إلى بيت من الدار : أترى هذا البيت ؟ قال : كان [ فيه ] فتى شاب حديث عهد بعرس ، فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق ، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنصاف النهار يرجع إلى أهله ، فاستأذنه يوما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ عليك سلاحك ، فإني أخشى عليك قريظة ، فأخذ سلاحه ، ثم رجع إلى أهله ، فإذا امرأته بين البابين قائمة ، فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به ، وأصابته غيرة ، فقالت : اكفف عليك رمحك ، وادخل الباب حتى تنظر ما الذي أخرجني ، فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش ، فأهوى إليها بالرمح ، فانتظمها به ، ثم خرج ، فركزه في الدار ، فاضطربت عليه ، فما أدري أيهما كان أسرع موتا ؛ الحية أو الفتى ، فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرنا ذلك له ، وقلنا : ادع الله عز وجل يحيه لنا ، فقال : استغفروا لصاحبكم ، ثم قال : إن بالمدينة جنا قد أسلموا ، فإذا رأيتم منها شيئا ، فآذنوه ثلاثا ، فإن بدا لكم بعد ذلك ، فاقتلوه ، فإنما هو شيطان .

[ ص: 380 ]

2939 - حدثنا الحسن بن غليب ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال : حدثني الليث ، عن ابن عجلان ، عن صيفي أبي سعيد مولى الأنصار ، عن أبي السائب ، ثم ذكر هذا الحديث بألفاظ أقل من هذه بغير اختلاف في المعاني .

2940 - وحدثنا محمد بن عبد الرحيم الهروي ، قال : حدثنا خالد بن خداش ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي أن فتى من الأنصار كان قريب عهد بعرس ، فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فلما رجع دخل منزله ، فإذا امرأته في الدار قائمة ، فأهوى إليها بالرمح ، فقالت : كما أنت لا تعجل ادخل البيت ، فدخل فإذا حية منطوية على فراشه ، فركزها برمحه ، فأخرجها إلى الدار ، فوضعها فانتفضت الحية ، وانتفض الرجل ، فماتت الحية ومات الرجل ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنه قد نزل حي من الجن مسلمون بالمدينة ، فإذا رأيتم منها [ ص: 381 ] شيئا ، فتعوذوا بالله عز وجل منها ، ثم إن عادوا فاقتلوها .

فتأملنا في هذه الآثار ، فوجدنا في حديثي أبي سعيد وسهل ما فيهما مما قد أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجن الذين حدثوا بالمدينة ممن أسلم فصاروا عمارا لبيوتها ، فنهى عن قتلها لذلك حتى تناشد ، فإن ظهرت بعد ذلك كانت خارجة عن المعنى الذي من أجله نهي عن قتلها ، وعادت إلى الحكم الذي كان جميع الحيات عليه قبل ذلك من حل قتلها .

وقد روي عن أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يدخل في هذا الباب .

2941 - ما قد حدثنا بحر بن نصر ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير ، عن أبي ثعلبة الخشني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الجن على ثلاثة أثلاث ، فثلث لهم أجنحة يطيرون في الهواء ، وثلث حيات وكلاب ، وثلث يحلون ويظعنون .

[ ص: 382 ] فكان ذلك مما قد حقق أن من الحيات ما هو جان ، وأن فيه ما قد أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثي أبي سعيد وسهل ، والله سبحانه وتعالى نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية