الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              5043 باب: لن ينجي أحدا عمله

                                                                                                                              وقال النووي: (باب: لن يدخل أحد الجنة، بعمله. بل برحمة الله تعالى).

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 161ج 17، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن عائشة - زوج النبي، صلى الله عليه وسلم - ؛ أنها كانت تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سددوا، وقاربوا، وأبشروا؛ فإنه لن يدخل الجنة أحدا عمله».

                                                                                                                              قالوا: ولا أنت ؟ يا رسول الله! قال: «ولا أنا. إلا أن يتغمدني الله منه: برحمة. واعلموا: أن أحب العمل إلى الله: أدومه، وإن قل»).


                                                                                                                              [ ص: 72 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 72 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن عائشة) رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم. (أنها كانت تقول: قال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: سددوا) أي: اطلبوا السداد، واعملوا به.

                                                                                                                              «والسداد»: الصواب. وهو بين الإفراط والتفريط. فلا تغلوا ولا تقصروا.

                                                                                                                              قال القسطلاني: وهو اتباع السنة، من الإخلاص وغيره (وقاربوا) أي: إن عجزتم عن السداد، فاقربوا منه.

                                                                                                                              وقال القسطلاني: أي: لا تفرطوا، فتجهدوا أنفسكم في العبادة، لئلا يفضي بكم ذلك: إلى الملال، فتتركوا العمل.

                                                                                                                              قال ابن حزم: معنى الأمر بالسداد والمقاربة، أنه صلى الله عليه وآله وسلم، أشار بذلك ؛ إلى أنه: بعث ميسرا مسهلا ؛ فأمر أمته: بأن يقصدوا في الأمور، لأن ذلك يقتضي: الاستدامة، عادة.

                                                                                                                              (وأبشروا) أي: بالجنة: (فإنه لن يدخل الجنة أحدا: عمله.

                                                                                                                              قالوا: ولا أنت ؟ يا رسول الله ! قال: ولا أنا. إلا أن يتغمدني الله منه: برحمة) أي: يلبسنيها، ويغمدني ويسترني بها.

                                                                                                                              [ ص: 73 ] ومنه: «أغمدت السيف وغمدته»: إذا جعلته في غمده، وسترته به.

                                                                                                                              وفي حديث «أبي هريرة»، يرفعه: « لن ينجي أحدا منكم: عمله» قال رجل: ولا إياك ؟ يا رسول الله! قال: ولا إياي، إلا أن يتغمدني الله: برحمة. ولكن سددوا». وفي رواية: «برحمة منه، وفضل» وفي رواية: «بمغفرة، ورحمة».

                                                                                                                              وفي رواية: «إلا أن يتداركني الله منه: برحمة).

                                                                                                                              وفي حديث «جابر» عند مسلم، يرفعه: « لا يدخل أحدا منكم عمله: الجنة، ولا يجيره من النار. ولا أنا، إلا برحمة الله».

                                                                                                                              قال الرافعي (في أماليه): لما كان أجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في الطاعة: أعظم، وعمله في العبادة: أقوم. قيل له: «ولا أنت ؟ » أي: لا ينجيك عملك، مع عظم قدرك. فقال: لا. إلا برحمة الله.

                                                                                                                              قال: وفيه أن العامل، لا ينبغي له: أن يتكل على عمله، في طلب النجاة، ونيل الدرجات. لأنه، إنما عمل: بتوفيق الله. وإنما ترك المعصية: بعصمة الله تعالى. فكل ذلك: بفضله، ورحمته. انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 74 ] قال النووي: اعلم أن مذهب أهل السنة: أنه لا يثبت بالعقل: ثواب، ولا عقاب، ولا إيجاب، ولا تحريم. ولا غيرهما من أنواع التكليف. ولا تثبت هذه كلها، ولا غيرها: إلا بالشرع.

                                                                                                                              ومذهب أهل السنة أيضا: أن الله تعالى، لا يجب عليه شيء - تعالى الله - بل العالم ملكه، والدنيا والآخرة في سلطانه، يفعل فيهما: ما يشاء. فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين، وأدخلهم النار: كان عدلا منه.

                                                                                                                              وإذا أكرمهم. ونعمهم، وأدخلهم الجنة: فهو فضل منه. ولو نعم الكافرين، وأدخلهم الجنة: كان له ذلك. ولكنه أخبر - وخبره صدق -: أنه لا يفعل هذا، بل يغفر للمؤمنين، ويدخلهم الجنة برحمته. ويعذب المنافقين، ويخلدهم في النار: عدلا منه.

                                                                                                                              وأما المعتزلة، فيثبتون الأحكام: بالعقل. ويوجبون: ثواب الأعمال. ويوجبون: الأصلح. ويمنعون: خلاف هذا - في خبط طويل لهم - تعالى الله: عن اختراعاتهم الباطلة، المنابذة لنصوص الشرع.

                                                                                                                              وفي ظاهر هذه الأحاديث: دلالة لأهل الحق: أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة: بطاعته. وأما قوله تعالى: ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ، وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ، ونحوهما

                                                                                                                              [ ص: 75 ] من الآيات، الدالة على أن الأعمال، يدخل بها الجنة. فلا يعارض هذه الأحاديث، بل معنى الآيات: أن دخول الجنة، بسبب الأعمال، ثم التوفيق للأعمال، والهداية للإخلاص فيها، وقبولها: برحمة الله تعالى، وفضله.

                                                                                                                              فيصح أنه لم يدخل: بمجرد العمل. وهو مراد الأحاديث. ويصح أنه دخل: بالأعمال. أي: بسببها. وهي من الرحمة. والله أعلم.

                                                                                                                              (واعلموا: أن أحب العمل إلى الله: أدومه، وإن قل). فيه: الحث على إدامة العمل.

                                                                                                                              والمراد «بالدوام»: المواظبة العرفية. وهي الإتيان بذلك - في كل شهر، أو كل يوم -: بقدر ما يطلق عليه اسم «المداومة» عرفا. لا شمول الأزمنة: إذ هو غير مقدور.

                                                                                                                              وفي حديث «عائشة» عند البخاري ؛ «قالت: كان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الذي يدوم عليه صاحبه. أي: يستمر عليه، عامله.




                                                                                                                              الخدمات العلمية