الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              5233 (باب منه)

                                                                                                                              وهو في النووي، في (باب ذكر الدجال)

                                                                                                                              [ ص: 446 ] (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص75-77 ج18، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن النعمان بن سالم، قال: سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي، يقول: سمعت عبد الله بن عمرو -وجاءه رجل- فقال: ما هذا الحديث، الذي تحدث به؟ تقول: إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا.

                                                                                                                              فقال: سبحان الله! -أو لا إله إلا الله. أو كلمة نحوهما-. لقد هممت: أن لا أحدث أحدا: شيئا، أبدا.

                                                                                                                              إنما قلت: إنكم سترون بعد قليل: أمرا عظيما. يحرق البيت، ويكون، ويكون.

                                                                                                                              ثم قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "يخرج الدجال في أمتي، فيمكث أربعين -لا أدري: أربعين يوما، أو أربعين شهرا، أو أربعين عاما-. فيبعث الله عيسى ابن مريم. كأنه عروة بن مسعود. فيطلبه فيهلكه.

                                                                                                                              ثم يمكث الناس: سبع سنين، ليس بين اثنين عداوة.

                                                                                                                              ثم يرسل الله ريحا باردة، من قبل الشأم، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه: مثقال ذرة من خير أو إيمان: إلا قبضته. حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل: لدخلته عليه، حتى تقبضه".

                                                                                                                              قال: سمعتها من رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                              قال: "فيبقى شرار الناس، في خفة الطير، وأحلام السباع؛ لا يعرفون معروفا، ولا ينكرون منكرا.

                                                                                                                              [ ص: 447 ] فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم: بعبادة الأوثان.

                                                                                                                              وهم في ذلك: دار رزقهم، حسن عيشهم.

                                                                                                                              ثم ينفخ في الصور، فلا يسمعه أحد، إلا أصغى ليتا، ورفع ليتا.

                                                                                                                              قال: وأول من يسمعه: رجل يلوط حوض إبله. قال: فيصعق، ويصعق الناس.

                                                                                                                              ثم يرسل الله -أو قال: ينزل الله- مطرا، كأنه الطل -أو الظل- (نعمان الشاك) فتنبت منه أجساد الناس.

                                                                                                                              ثم ينفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون .

                                                                                                                              ثم يقال: يا أيها الناس! هلم إلى ربكم. وقفوهم إنهم مسئولون .

                                                                                                                              قال: ثم يقال: أخرجوا بعث النار. فيقال: من كم؟

                                                                                                                              فيقال: من كل ألف: تسع مائة وتسعة وتسعين.

                                                                                                                              قال: فذاك، يوما يجعل الولدان شيبا . وذلك يوم يكشف عن ساق "
                                                                                                                              ).

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن النعمان بن سالم؛ قال: سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي، يقول: سمعت عبد الله بن عمرو -وجاءه رجل- فقال: ما هذا الحديث الذي تحدث به؟ تقول: إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا.

                                                                                                                              [ ص: 448 ] فقال: سبحان الله! أو لا إله إلا الله، أو كلمة نحوهما لقد هممت: أن لا أحدث أحدا شيئا، أبدا.

                                                                                                                              إنما قلت: إنكم سترون بعد قليل: أمرا عظيما؛ يحرق البيت، ويكون، ويكون.

                                                                                                                              ثم قال: قال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: يخرج الدجال في أمتي، فيمكث أربعين -لا أدري: أربعين يوما، أو أربعين شهرا، أو أربعين عاما- فيبعث الله تعالى عيسى بن مريم) أي: ينزل من السماء.

                                                                                                                              (كأنه عروة بن مسعود) الثقفي؛

                                                                                                                              قال (في المرقاة): شهد "صلح الحديبية" كافرا. وقدم على النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: سنة تسع، بعد عوده من الطائف، وأسلم. ثم عاد إلى قومه، ودعاهم إلى الإسلام: فقتلوه.

                                                                                                                              وقيل. هو أخو عبد الله بن مسعود، وليس بشيء. انتهى ".

                                                                                                                              (فيطلبه فيهلكه).

                                                                                                                              قال عياض: نزول عيسى عليه السلام، وقتله الدجال: حق وصحيح، عند أهل السنة: للأحاديث الصحيحة في ذلك. وليس في العقل، ولا في الشرع: ما يبطله، فوجب إثباته.

                                                                                                                              [ ص: 449 ] وأنكر ذلك: بعض المعتزلة، والجهمية، ومن وافقهم. وزعموا: أن هذه الأحاديث مردودة: بقوله تعالى: وخاتم النبيين ، وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا نبي بعدي"، وبإجماع المسلمين: أنه لا نبي بعد نبينا، صلى الله عليه وآله وسلم، وأن شريعته مؤبدة إلى يوم القيامة، لا تنسخ.

                                                                                                                              وهذا استدلال فاسد؛ لأنه ليس المراد بنزول عيسى، عليه السلام: أنه ينزل نبيا بشرع ينسخ شرعنا. ولا في هذه الأحاديث ولا في غيرها: شيء من هذا.

                                                                                                                              بل صحت هذه الأحاديث هنا، وفي كتاب الإيمان وغيرها: أنه ينزل حكما مقسطا، يحكم بشرعنا، ويحيي من أمور شرعنا: ما هجره الناس.

                                                                                                                              (ثم يمكث في الناس سبع سنين، ليس بين اثنين عداوة.

                                                                                                                              ثم يرسل الله عز وجل : ريحا باردة، من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه: مثقال ذرة من خير -أو إيمان- إلا قبضته، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل: لدخلته عليه، حتى تقبضه).

                                                                                                                              كبد كل شيء: وسطه، وداخله، وجوفه.

                                                                                                                              [ ص: 450 ] (قال: سمعتها من رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم.

                                                                                                                              قال: فيبقى شرار الناس: في خفة الطير، وأحلام السباع).

                                                                                                                              معناه: يكونون في سرعتهم إلى الشرور، وقضاء الشهوات والفساد: طيران الطير. وفي العدوان، وظلم بعضهم بعضا: في أخلاق السباع العادية.

                                                                                                                              (لا يعرفون معروفا، ولا ينكرون منكرا. فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: ألا تستحيون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم: بعبادة الأوثان. وهم في ذلك: دار رزقهم، حسن عيشهم.

                                                                                                                              ثم ينفخ في الصور، فلا يسمعه أحد، إلا أصغى) أي أمال "ليتا، ورفع ليتا". "الليت" بكسر اللام، وآخره تاء. وهي "صفحة العنق"، وهي جانبه.

                                                                                                                              (قال: وأول من يسمعه: رجل يلوط حوض إبله) أي: يطينه ويصلحه.

                                                                                                                              (قال: فيصعق، ويصعق الناس. ثم يرسل الله) تعالى (-أو قال: ينزل الله-) تعالى (مطرا كأنه، الطل -أو الظل-).

                                                                                                                              قال أهل العلم: الأصح: "الطل" بالمهملة. وهو الموافق للحديث الآخر: أنه كمني الرجال.

                                                                                                                              [ ص: 451 ] (نعمان الشاك) وهو ابن سالم.

                                                                                                                              (فتنبت منه أجساد الناس. ثم ينفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون . ثم يقال: يا أيها الناس! هلموا إلى ربكم. وقفوهم إنهم مسئولون . ثم يقال : أخرجوا بعث النار. فيقال: من كم؟ فيقال: من كل ألف: تسعمائة وتسعة وتسعين.

                                                                                                                              قال: فذلك يوما يجعل الولدان شيبا ): بكسر أوله. جمع "أشيب".

                                                                                                                              والمعنى: أنه يصير الأطفال شيبة، من أهوال ذلك اليوم، وشدائده على القوم.

                                                                                                                              ويجوز: أن يراد به عظم الأهوال، لا حقيقة صيرورتهم شيبا في الحال. فالمعنى: لو أن وليدا شاب من واقعة عظيمة: لكان في ذلك اليوم.

                                                                                                                              والأول: أولى.

                                                                                                                              (وذلك يوم يكشف عن ساق ).

                                                                                                                              قال العلماء: معناه، ومعنى ما في القرآن يوم يكشف عن ساق : يوم يكشف عن شدة، وهول عظيم. أي: يظهر ذلك.

                                                                                                                              [ ص: 452 ] يقال: "كشفت الحرب عن ساقها": إذا اشتدت.

                                                                                                                              وأصله: أن من جد في أمره: كشف عن ساقه، مستمرا في الخفة والنشاط له.

                                                                                                                              هذا كلام النووي، رحمه الله . والأولى: عدم صرف كشف الساق عن ظاهره، وإبقاؤه على لفظه، والإيمان به: بلا كيف، ولا تعطيل، ولا تشبيه، ولا تمثيل. وهذا مهيع سلف هذه الأمة وأئمتها. وجنح الخلف: إلى التأويل. وليس بشيء، بل هو فرع التكذيب. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية