الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              5144 باب:هلاك هذه الأمة، بعضهم ببعض

                                                                                                                              وهو في النووي، في: (الكتاب السابق).

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص13 ، 14 ج18، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن ثوبان؛ قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوى لي الأرض؛ فرأيت مشارقها، ومغاربها.

                                                                                                                              وإن أمتي سيبلغ ملكها: ما زوي لي منها.


                                                                                                                              وأعطيت الكنزين: الأحمر، والأبيض.

                                                                                                                              [ ص: 285 ] وإني سألت ربي لأمتي: أن لا يهلكها بسنة عامة. وأن لا يسلط عليهم عدوا، من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم.

                                                                                                                              وإن ربي قال: يا محمد! إني إذا قضيت قضاء، فإنه لا يرد. وإني أعطيتك، لأمتك: أن لا أهلكهم: بسنة عامة. وأن لا أسلط عليهم: عدوا، من سوى أنفسهم: يستبيح بيضتهم. ولو اجتمع عليهم: من بأقطارها -أو قال: من بين أقطارها- حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم: بعضا"
                                                                                                                              ).

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن ثوبان، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: إن الله زوى) أي: جمع (لي الأرض؛ فرأيت مشارقها، ومغاربها. وإن أمتي سيبلغ ملكها: ما زوي لي منها.

                                                                                                                              وأعطيت الكنزين: الأحمر، والأبيض) أي: الذهب والفضة. والمراد: كنزي كسرى، وقيصر، ملكي العراق والشام.

                                                                                                                              قال النووي : فيه إشارة إلى أن ملك هذه الأمة، يكون معظم امتداده: في جهتي المشرق، والمغرب .

                                                                                                                              قال: وهكذا وقع. وأما في جهتي الجنوب والشمال: فقليل، بالنسبة إليهما.

                                                                                                                              [ ص: 286 ] قال: وصلوات الله، وسلامه: على رسوله، الصادق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .

                                                                                                                              (وإني سألت ربي لأمتي: أن لا يهلكها بسنة عامة) أي: بقحط يعمهم. بل إن وقع قحط، فيكون في ناحية يسيرة، بالنسبة إلى باقي بلاد الإسلام.

                                                                                                                              (وأن لا يسلط عليهم: عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم) أي: جماعتهم، وأصلهم.

                                                                                                                              "والبيضة" أيضا: العز، والملك.

                                                                                                                              (وإن ربي، قال: يا محمد! إني إذا قضيت قضاء، فإنه لا يرد. وإني أعطيتك، لأمتك: أن لا أهلكهم: بسنة عامة، ولا أسلط عليهم: عدوا من سوى أنفسهم: يستبيح بيضتهم. ولو اجتمع عليهم -من بأقطارها- أو قال: من بين أقطارها- حتى يكون بعضهم يهلك بعضا. ويسبي بعضهم: بعضا).

                                                                                                                              قال النووي : هذا الحديث، فيه معجزات ظاهرات. وقد وقعت

                                                                                                                              [ ص: 287 ] كلها، بحمد الله تعالى، كما أخبر به، صلى الله عليه وآله وسلم. فلله الحمد والشكر: على جميع نعمه. انتهى.

                                                                                                                              قلت: وفيه بشارة عظمى، لغرباء هذه الأمة المرحومة. في بقائها إلى آخر الدهر، وعدم فنائها، بكلها: على أيدي الظلمة الكفرة الفجرة، من أي موضع كانوا، وعلى أي قطر من أقطار الإسلام حملوا، وأرادوا استيصال المسلمين.

                                                                                                                              ويؤيد هذا الحديث: حديث آخر، في الصحيحين: "لا يزال من أمتي: أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله، وهم على ذلك" متفق عليه، من حديث "معاوية".

                                                                                                                              وفي رواية عنه، عند الترمذي؛ يرفعه: "إذا فسد أهل الشام: فلا خير فيهم. ولا يزال طائفة من أمتي منصورين، لا يضرهم من خذلهم، حتى تقوم الساعة" .

                                                                                                                              [ ص: 288 ] معنى "خذلهم": ترك نصرهم.

                                                                                                                              قال "ابن المديني": هم أصحاب الحديث. قلت: وهذا علم من أعلام النبوة. فإني رأيت كثيرا "بعيني" وسمعت غزيرا "بأذني": خذل أهل الرأي وغيرهم: أهل الحديث وجهدهم: في اضمحلال طريقة هؤلاء. ولكن لا تزال طائفة من العلماء بالسنة: ظاهرة على من يخالفهم، في كل عصر من الأعصار. وفي كل قطر من الأقطار.

                                                                                                                              وهذا مشاهد، وعليه من كتب طبقات المحدثين: شاهد. والحديث المذكور، قال الترمذي: حسن صحيح.

                                                                                                                              ويحتمل أن يكون المراد بهذه الأمة، القائمة بأمر الله، وهذه الطائفة المنصورة: العموم. فيدخل فيها: السلاطين العادلون، والأئمة المجاهدون، وكل من نفعه في الإسلام ظاهر: من علماء الدين وغيرهم.

                                                                                                                              ويدخل أهل الحديث فيها: دخولا أوليا. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية