الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4939 باب في سعة رحمة الله تعالى، وأنها تغلب غضبه

                                                                                                                              ومثله: في النووي

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 68، ج 17، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن أبي هريرة، رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله: صلى الله عليه) وآله (وسلم: «لما قضى الله الخلق، كتب في كتابه على نفسه - فهو موضوع عنده -: إن رحمتي تغلب غضبي»

                                                                                                                              وفي رواية أخرى: «لما خلق الله الخلق: كتب في كتابه - فهو عنده، فوق العرش - إلخ».

                                                                                                                              وفي أخرى: «قال: قال الله عز وجل سبقت رحمتي غضبي »).

                                                                                                                              [ ص: 62 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 62 ] (الشرح)

                                                                                                                              فيه: أن الله تعالى، أوجب على نفسه: الرحمة من غير إيجاب أحد، وكتبه في كتاب (هو عنده، فوق العرش العظيم). وهذا يدل: على العندية، والعلو، والفوقية. ونحن نؤمن به، بلا كيف ولا تمثيل. ولا ننكره، ولا نؤوله: كأهل الكلام.

                                                                                                                              وهذا هو سبيل السلف: في مسائل الصفات.

                                                                                                                              وكذا لا نرضى بتأويل «الغضب»، المسند إليه تعالى. بل نكله إليه سبحانه، ونؤمن به كما جاء. وما لنا والخوض في معاني صفاته العليا، وذاته المقدسة ؟ وإن كان تأويل بعضهم: يوافق - في علم الله - بما أراد الله. ولكن لم يوجب الله، ولا رسوله، علينا: أن نؤول ما ورد في هذا الباب.

                                                                                                                              ويكفينا - في نفي التشبيه، والتمثيل -: الإيمان، والاعتراف بقوله سبحانه: ليس كمثله شيء ولم يكن له كفوا أحد .

                                                                                                                              وأما النووي «رحمه الله تعالى»، فيسلك في ذلك: مسلك المتكلمين، ويمشي فيها مشي الخلف المؤولين). فيحرر مذهبهم «تحت كل حديث، من أحاديث الصفات»، ويطول، ويؤيد، ويقوي - عفا الله عنا وعنه: بمنه وكرمه - ومن هذا الوادي: ما قال هنا. وهو [ ص: 63 ] قوله: قال العلماء: «غضب الله، ورضاه) يرجعان إلى معنى «الإرادة».

                                                                                                                              فإرادته: الإثابة للمطيع، ومنفعة العبد: تسمى «رضا، ورحمة» وإرادته: عقاب العاصي، وخذلانه: تسمى «غضبا». وإرادته «سبحانه وتعالى»: صفة له قديمة، يريد بها: جميع المرادات.

                                                                                                                              قال: قالوا: والمراد «بالسبق، والغلبة هنا»: كثرة الرحمة، وشمولها. كما يقال: «غلب على فلان: الكرم، والشجاعة»: إذا كثرا منه. انتهى.

                                                                                                                              والحديث: دليل على سبق الرحمة، وغلبتها: على الغضب والسخط. وهذا هو اللائق بشأن أرحم الراحمين.

                                                                                                                              ولولا ذلك: لكنا جميعا خاسرين هالكين.

                                                                                                                              نعوذ بالله: من غضب الله. ونتوب إليه: من سخطه. ونرجو: رحمته، وكرمه، وفضله، ولطفه. وما أحقه بذلك، كله !




                                                                                                                              الخدمات العلمية