الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              5064 (باب منه)

                                                                                                                              وهو في النووي، في (كتاب الجنة).

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 172 ج 17، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول زمرة تدخل الجنة - من أمتي -: على صورة القمر، ليلة البدر. ثم الذين يلونهم: على أشد نجم في السماء، إضاءة.

                                                                                                                              [ ص: 148 ] ثم هم - بعد ذلك منازل.

                                                                                                                              لا يتغوطون، ولا يبولون، ولا يمتخطون، ولا يبزقون.

                                                                                                                              أمشاطهم: الذهب. ومجامرهم: الألوة. ورشحهم: المسك.

                                                                                                                              أخلاقهم: على خلق رجل واحد. على طول أبيهم آدم: «ستون ذراعا».


                                                                                                                              قال «ابن أبي شيبة»: «على خلق رجل». وقال «أبو كريب»: «على خلق رجل».

                                                                                                                              وقال «ابن أبي شيبة»: «على صورة أبيهم»).

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة) رضي الله عنه ؛ (قال: قال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: أول زمرة) أي: جماعة (تدخل الجنة - من أمتي -: على صورة القمر، ليلة البدر. ثم الذين يلونهم: على) صورة (أشد نجم في السماء، إضاءة.

                                                                                                                              ثم هم - بعد ذلك - منازل.

                                                                                                                              لا يتغوطون، ولا يبولون، ولا يمتخطون، ولا يبزقون).

                                                                                                                              وفي رواية: «لا يبصقون».

                                                                                                                              وفي أخرى: «لا يتفلون» بكسر الفاء، وضمها.

                                                                                                                              [ ص: 149 ] حكاهما الجوهري وغيره.. وكلها بمعنى.

                                                                                                                              (أمشاطهم: الذهب. ومجامرهم: الألوة): بفتح الهمزة وضمها، وضم اللام، وتشديد الواو: «عود يتبخر به».

                                                                                                                              وهذا بخلاف مجامر الدنيا، فإن وقودها: قطع الحطب. ومجامر الجنة، وقودها: العود الذي يتبخر به.

                                                                                                                              وقال النووي «الألوة»: العود الهندي.

                                                                                                                              (ورشحهم: المسك) أي: عرقهم.

                                                                                                                              (أخلاقهم: على خلق رجل واحد).

                                                                                                                              قد ذكر مسلم في الكتاب: اختلاف «ابن أبي شيبة»، «وأبي كريب»: في ضبطه ؛ فالأول: يرويه بضم الخاء، واللام. والآخر: بفتح الخاء، وإسكان اللام.

                                                                                                                              قال النووي: وكلاهما صحيح.

                                                                                                                              وقد اختلف فيه «رواة صحيح البخاري». ويرجح «الضم» بقوله في الحديث الآخر: «لا اختلاف بينهم ولا تباغض»، قلوبهم: «قلب واحد».

                                                                                                                              وقد يرجح «الفتح بقوله صلى الله عليه وآله وسلم - في تمام الحديث -: على «صورة أبيهم آدم». أو على طوله. انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 150 ] قال (في المرقاة): بضم الخاء واللام وتسكن.

                                                                                                                              والمعنى - على فتح الأول -: أنهم أتراب، في سن واحدة. وهي ثلاثون، أو ثلاث وثلاثون سنة. انتهى.

                                                                                                                              (على طول أبيهم آدم: «ستون ذراعا».

                                                                                                                              قال «ابن أبي شيبة»: على خلق رجل. وقال «أبو كريب»: على خلق رجل) تقدم الكلام، على هذا الاختلاف.

                                                                                                                              (وقال «ابن أبي شيبة»: على صورة أبيهم) - موضع «طول أبيهم» - قال في (حادي الأرواح): روى أحمد، عن أبي هريرة، يرفعه: «خلق الله آدم: على صورته. طوله: ستون ذراعا» إلى قوله: «فكل من يدخل الجنة: على صورة آدم، طوله: ستون ذراعا».

                                                                                                                              قال: متفق على صحته.

                                                                                                                              وروى أحمد أيضا عنه، مرفوعا. «يدخل أهل الجنة: الجنة» إلى قوله: «أبناء ثلاث وثلاثين: وهم على خلق آدم: ستون ذراعا، في عرض سبعة أذرع». قيل: تفرد به: حماد، عن علي بن زيد.

                                                                                                                              [ ص: 151 ] وروى الترمذي، - واستغربه - عن «معاذ بن جبل»، مرفوعا، بلفظ: «بني ثلاث وثلاثين». وروى أبو بكر بن داود، عن «أنس بن مالك»، يرفعه: «يبعث أهل الجنة: على صورة آدم، في ميلاد ثلاث وثلاثين». الحديث.

                                                                                                                              وفي حديث «أبي سعيد الخدري» ؛ يرفعه: «بني ثلاثين سنة، في الجنة. لا يزيدون عليها أبدا. وكذلك أهل النار» رواه الترمذي.

                                                                                                                              قال: فإن كان هذا محفوظا: لم يناقض ما قبله ؛ فإن العرب: إذا قدرت بعدد له نيف. فإن لهم طريقين ؛ تارة: يذكرون النيف للتحزير. وتارة: يحذفونه. وهذا معروف في كلامهم، وخطاب غيرهم. من الأمم.

                                                                                                                              وروى «ابن أبي الدنيا» عن أنس، مرفوعا: «يدخل أهل الجنة: الجنة، على طول آدم: ستين ذراعا، بذراع الملك، على حسن يوسف، وعلى ميلاد عيسى: ثلاثا وثلاثين سنة، وعلى لسان محمد».

                                                                                                                              وأما الأخلاق، فقد قال تعالى: ونـزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين

                                                                                                                              [ ص: 152 ] قال: والأخلاق - كما تكون جمعا: «للخلق» بالضم - فهي جمع: «الخلق» بالفتح.

                                                                                                                              والمراد: تساويهم (في الطول، والعرض، والسن)، وإن تفاوتوا (في الحسن، والجمال). ولهذا فسره بقوله: «على صورة أبيهم آدم: ستون ذراعا في السماء».

                                                                                                                              قال: وكذا، وصف سبحانه نساءهم: «بأنهن أتراب» أي: في سن واحدة. ليس فيهن: العجائز، والشواب.

                                                                                                                              وفي هذا الطول، والعرض، والسن: من الحكمة، ما لا يخفى. فإنه أبلغ وأكمل، في استيفاء اللذة ؛ لأنه أكمل سن القوة، مع عظم آلات اللذة.

                                                                                                                              وباجتماع الأمرين: يكون اللذة وقوتها، بحيث يصل في اليوم الواحد: إلى مائة عذراء.

                                                                                                                              قال: ولا يخفى التناسب، الذي بين هذا الطول والعرض. وأنه لو زاد أحدهما على الآخر: لفات الاعتدال، وتناسب الخلقة. ويصير طولا: مع دقة، أو غلظا: مع قصر. وكلاهما غير مناسب. انتهى.

                                                                                                                              قلت: وورد في أكثر هذه الأحاديث، بلفظ: «يدخل أهل الجنة: الجنة جردا، مردا، بيضا، جعادا، مكحلين، أبناء ثلاث وثلاثين.

                                                                                                                              [ ص: 153 ] وهم على خلق آدم»
                                                                                                                              الحديث: رواه أحمد، عن «أبي هريرة»، مرفوعا.

                                                                                                                              وهذا يدلك، على أن آدم: كان كذلك، في جميع هذه الصفات. أي: لم يكن له شعر: على جسد، ولا لحية. إلى غير ذلك. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية