الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 103 ] - باب بيان مشكل ما روي عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة التي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في التخلف عنها الوعيد المذكور في الحديث الذي ذكرناه في الباب الأول ، أي الصلوات هي ؟

5871 - حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب : أن مالكا حدثه عن أبي الزناد ، عن الأعرج .

عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفسي بيده ، لقد هممت أن آمر بحطب يحطب ، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ، ثم آمر رجلا ، فيؤم الناس ، ثم أخالف إلى رجال ، فأحرق عليهم بيوتهم ، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء .

[ ص: 104 ]

[ ص: 105 ]

5872 - وحدثنا الربيع المرادي ، حدثني ابن وهب ، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد ، ومالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

5873 - وحدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا عمر بن حفص بن غياث النخعي ، حدثنا أبي ، عن الأعمش ، حدثني أبو صالح .

عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر وصلاة العشاء ، ولو يعلمون ما فيهما [ ص: 106 ] لأتوهما ولو حبوا ، لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم ، ثم آمر رجلا يؤم بالناس ، ثم آخذ شعلا من نار ، فأحرق على من لم يخرج إلى الصلاة بيته .

5874 - وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا عاصم بن بهدلة ، عن أبي صالح .

عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه أخر العشاء الآخرة إلى ثلث الليل ، ثم جاء وفي الناس رقة وهم عزون ، فغضب غضبا شديدا ، ثم قال : لو أن رجلا ندب الناس إلى عرق أو مرماتين لأجابوا له ، وهم يتخلفون عن هذه الصلاة ، فقد هممت أن آمر رجلا فيصلي بالناس ، ثم أتخلف على أهل هذه الدور الذين يتخلفون عن هذه الصلاة فأضرم عليهم النيران " .

[ ص: 107 ]

5875 - وحدثنا فهد ، حدثنا أبو غسان ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، ثم ذكره بإسناده مثله .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث من حديث أبي صالح تبيان الصلاة المسكوت عنها في حديث الأعرج الذي يرجع هو ، وحديث أبي صالح إلى أبي هريرة : أنها العشاء الآخرة .

فقال قائل : هذه الصلاة ، وإن كانت هي وغيرها من الصلوات الخمس يجب الاجتماع لها ، وترك التخلف عن ذلك ، فإن ذلك من [ ص: 108 ] الفروض التي هي على العامة ، وتسقط عنهم بقيام بعض الخاصة ، فكيف تقبلون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الوعيد فيما كان كذلك ؟

فكان جوابنا له في ذلك : أن الصلوات الخمس واجب الحضور لها ، وإقامتها بالجماعات ، وإن كان ذلك مما قد يسقط بقيام بعض الناس دون بعض عن بقيتهم ، وأنه قبل سقوطه عنهم بذلك يؤمرون جميعا ، ويؤخذون به حتى تقام الصلاة على ما أمر الله عز وجل أن تقام عليه حتى يسقط الفرض كان فيها بما يسقط به .

ومما يحقق ذلك ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابه ابن أم مكتوم لما سأله : هل له رخصة عن إتيان المسجد للصلاة .

5876 - كما حدثنا أبو أمية ، حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، حدثنا أبو سنان - قال أبو جعفر : وهو سعيد بن سنان ، وبعض الناس ينسبه إلى قزوين لسكناه بها ، وهو رجل من أهل الكوفة ، مقبول الرواية ، ثم رجعنا إلى الحديث - عن عمرو بن مرة ، أخبرني أبو رزين .

عن أبي هريرة قال : جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني رجل ضرير البصر ، شاسع الدار ، وليس لي قائد يداومني ، أفلي رخصة أن لا آتي المسجد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا [ ص: 109 ] هكذا روى أبو سنان هذا الحديث ، عن عمرو بن مرة ، ورواه شعبة ، عن عمرو بن مرة ، فخالفه في إسناده .

5877 - كما حدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة قال :

سمعت ابن أبي ليلى يقول : كان منا رجل ضرير البصر ، فقال : يا رسول الله ، إن بيني وبين المسجد نخلا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 110 ] أتسمع النداء " ، قال : نعم . قال : " فإذا سمعت النداء فأجبه .

غير أنا تأملنا هذا الحديث ، فوجدنا ابن أبي ليلى يقول فيه : كان منا رجل ضرير البصر ، وابن أبي ليلى من الأنصار ، وابن أم مكتوم ، فمن قريش ، فاحتمل أن يكون ذلك على رجل من الأنصار ، فيكون ما في حديثه هذا غير ما في الحديث الأول ، فيكون كل واحد من الرجلين المذكورين فيهما غير الآخر .

5878 - وكما حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا أبو عمر الحوضي ، حدثنا عبد العزيز بن مسلم ، حدثنا حصين بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن شداد .

عن عبد الله بن أم مكتوم قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من [ ص: 111 ] المسجد ، فرأى في الناس رقة ، فقال : إني لأهم أن أجعل للناس إماما ، ثم أخرج ، فلا أقدر على رجل تخلف عن الصلاة إلا أحرقت عليه بيته ، فقلت : يا رسول الله إني بيني وبين المسجد نخلا وشجرا ، وليس كل وقت أقدر على قائد ، أفأصلي في بيتي ؟ فقال : " تسمع الإقامة " قلت : نعم . قال : " فائتها .

وقد روى شعبة ، عن حصين هذا الحديث ، فأوقفه على عبد الله بن شداد .

5879 - كما حدثنا عبد العزيز بن أبي عقيل اللخمي ، حدثنا عبد الرحمن بن زياد ، حدثنا شعبة ، عن حصين بن عبد الرحمن .

عن عبد الله بن شداد بن الهاد : أن ابن أم مكتوم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن بيني وبين المسجد أشياء ، وربما وجدت قائدا ، وربما لم أجد . قال : " ألست تسمع النداء " . قلت : بلى . قال : " فإذا سمعت النداء فامش إليها " ، ثم سأله رجل آخر عن مثل ذلك ؟ فقال : " فإذا [ ص: 112 ] سمعت النداء فآذن " ، ولم يرخص له . ثم قال : لقد هممت آن آمر رجلا يصلي بالناس ، ثم آتي أقواما لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم .

فكان فيما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوابه من سأله من أهل الضر بالجواب الذي أجابه به مع ضره الذي هو عليه ، إذ كان الفرض لا يسقط به عنه في حضور الجماعة ، وهو في ذلك كمن لا ضر به ، فكان من رسول الله - عليه السلام - ما قد عقلنا أن حضور الجماعات واجب على المطيقين له ، وأن ذلك مما يخاطب به جميع أهله قبل سقوط فرضه عمن سقط عنه بقيام غيره به .

وفي حديث أبي هريرة الذي رويناه ، وفي غيره مما قد رويناه في هذا الباب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك القول له أن رأى في الناس رقة : وهي القلة ، فلم تكن تلك الجماعة التي حضرت لتلك الصلاة هي الجماعة المطلوبة لحضور مثلها ، فكان ذلك الوعيد الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية