الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 140 ] 954 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نهيه عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان .

5902 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن عبد الرحيم البزاز المعروف بصاعقة ، أخبرنا مسلم الجرمي ، حدثنا مخلد بن الحسين ، عن هشام ، عن ابن سيرين .

عن أبي هريرة قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان ، فيكون لصاحبه الزيادة ، وعليه النقصان .

[ ص: 141 ] قال أبو جعفر : فتأملنا هذا الحديث ، فكان أحسن ما حضرنا فيه أن يكون ذلك أريد به اكتيال مبتاع الطعام بعد ابتياعه إياه ممن كان باعه إياه قبل ذلك ، ثم كان بيعه إياه من مبتاع سواه كيلا ، فكان البيع لا يحل لذلك المبتاع في ذلك الطعام حتى يكتال منه الاكتيال الذي يجب له عليه بحق البيع الذي بينه وبينه مما قد تقدم اكتيال بائعه إياه من البائع الذي كان باعه إياه قبل بيعه إياه ذلك البيع الثاني ، فيكون البيع لا يحل للمبتاع الثاني فيما قد ابتاعه من البائع الذي كان [ ص: 142 ] ابتاعه كيلا إلا بعد أن يتقدمه الاكتيالان بالصاع الذي يكال به ذلك الطعام .

فإن قال قائل : ولم احتيج إلى ذكر ما كان بين البائع ، وبائعه في هذا الطعام ، وقد يجوز أن يكون ذلك الطعام قد صار إليه بما لا اكتيال له فيه من واهب له ذلك الطعام ، أو متصدق عليه به .

فكان جوابنا له في ذلك : أن القوم كانوا تجارا يبتاعون ويبيعون ، فخوطبوا في ذلك بما خوطبوا به من هذا الحديث إيجازا من المخاطب لهم به صلى الله عليه وسلم ; لأنهم علموا بذلك الحكم في بيعين يوجب كل واحد منهما اكتيالا غير الاكتيال الذي يوجب البيع الآخر من ذينك البيعين ، ولو خاطبهم بذلك في البيع الآخر من ذينك البيعين لما علموا بذلك حكم البيع الأول منهما ، وقد زادهم صلى الله عليه وسلم معنى حسنا مما يحتاج الفقهاء إليه في هذا المعنى ، وهو أن الزيادة التي تكون في الكيل الثاني على الكيل الأول تكون للبائع ، ولا يمنعه من ذلك دخولهما فيما كيل له بالاكتيال الأول .

وفي ذلك ما قد يدل على أن ما يجري بين الناس مما يستعملون فيه الكيل قد يقع فيه بينهم اختلاف ، ويزيد بعضهم فيه على بعض ، وينقص بعضهم عما كان غيرهم يتجاوز به فيه ، وإن ذلك لا يمنع من استعماله إذ كان رأيا كما تستعمل الآراء في الحوادث في أمور الدين مما لا توقيف فيها ، ولا يمنع ذلك وقوع الاختلاف بين العلماء فيها - والله أعلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية