[ ص: 1 ] بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي ورجائي .
الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديرا، والحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، الذي عجز الحامدون على القيام بأداء شكر نعمة من نعمه، وكلت ألسنة الواصفين عن بلوغ كنه عظمته.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير، الداعي إليه بإذنه، السراج المنير، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون.
والحمد لله الذي أعظم علينا المنة بالإسلام والسنة، ووفقنا بفضله للاتباع، وعصمنا برحمته من الابتداع.
وصلى الله على محمد سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين في كل ساعة ولحظة على دوام الأبد ما لا يدخل تحت العدد، ولا ينقطع عنه المدد، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين والملائكة المقربين، وعلى أزواجه وذريته، وأصحابه وعترته، وعلى متبعي سنته، وأهل إجابة دعوته بمنه وفضله وسعة رحمته. [ ص: 2 ] .
أما بعد: فهذا كتاب في شرح السنة، يتضمن إن شاء الله سبحانه وتعالى كثيرا من علوم الأحاديث، وفوائد الأخبار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حل مشكلها، وتفسير غريبها، وبيان أحكامها، يترتب عليها من الفقه واختلاف العلماء، جمل لا يستغني عن معرفتها المرجوع إليه في الأحكام، والمعول عليه في دين الإسلام.
ولم أودع هذا الكتاب من الأحاديث إلا ما اعتمده أئمة السلف الذين هم أهل الصنعة، المسلم لهم الأمر من أهل عصرهم، وما أودعوه كتبهم، فأما ما أعرضوا عنه من المقلوب والموضوع والمجهول، واتفقوا على تركه، فقد صنت الكتاب عنها.
وما لم أذكر أسانيدها من الأحاديث، فأكثرها مسموعة، وعامتها في كتب الأئمة، غير أني تركت أسانيدها حذرا من الإطالة، واعتمادا على نقل الأئمة.
وإني في أكثر ما أوردته بل في عامته متبع، إلا القليل الذي لاح لي بنوع من الدليل، في تأويل كلام محتمل، أو إيضاح مشكل، أو ترجيح قول على آخر ، إذ لعلماء السلف رحمهم الله تعالى سعي كامل في تأليف ما جمعوه، ونظر صادق للخلف في أداء ما سمعوه. [ ص: 3 ] .
والقصد بهذا الجمع، مع وقوع الكفاية بما عملوه، وحصول الغنية فيما فعلوه، الاقتداء بأفعالهم، والانتظام في سلك أحد طرفيه متصل بصدر النبوة ، والدخول في غمار قوم جدوا في إقامة الدين، واجتهدوا في إحياء السنة، شفعا بهم، وحبا لطريقتهم، وإن قصرت في العمل عن مبلغ سعيهم ، طمعا في موعود الله سبحانه وتعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن "المرء مع من أحب"، ولأني رأيت أعلام الدين عادت إلى الدروس، وغلب على أهل الزمان هوى النفوس، فلم يبق من الدين إلا الرسم، ولا من العلم إلا الاسم، حتى تصور الباطل عند أكثر أهل الزمان بصورة الحق، والجهل بصورة العلم، وظهر فيهم تحقيق قول [ ص: 4 ] الرسول صلى الله عليه وسلم: ". إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فأضلوا وأضلوا "
ولما كان الأمر على ما وصفته لك، أردت أن أجدد لأمر العلم ذكرا، لعله ينشط فيه راغب متنبه، أو ينبعث له واقف متثبط، فأكون كمن يسعى لإيقاد سراج في ظلمة مطبقة، فيهتدي به متحير، أو يقع على الطريق مسترشد، فلا يخيب من الساعي سعيه، ولا يضيع حظه ، والله المستعان، وعليه التكلان، وهو حسبي ونعم الوكيل [ ص: 5 ] .