الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            92 - قال الشيخ الحسين بن مسعود : أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني، أنا خال والدي أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ، أنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر، نا وهب بن جرير، نا أبي، قال: سمعت محمد بن إسحاق، يحدث عن يعقوب بن عتبة، عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن جده، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، نهكت الأنفس، وجاع العيال، وهلكت الأموال، فاستسق لنا ربك، فإنا نستشفع بالله عليك، وبك على الله.

                                                                            فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله، سبحان الله".

                                                                            فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: "ويحك! أتدري ما الله؟، إن شأنه أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع به على أحد، إنه لفوق سمواته على عرشه، وإنه عليه [ ص: 176 ] لهكذا".


                                                                            وأشار وهب بيده، مثل القبة عليه "وأشار أبو الأزهر أيضا"، إنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب.

                                                                            وجبير هو جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي، وابنه أبو سعيد محمد، وابنه جبير بن محمد حجازيون.

                                                                            قال الشيخ: هذا حديث أورده أبو داود سليمان بن الأشعث في باب الرد على الجهمية والمعتزلة عن عبد الأعلى بن حماد، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، وأحمد بن سعيد الرباطي، عن وهب بن جرير، بإسناد أبي الأزهر ومعناه، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن عرشه على سمواته لهكذا" أو قال بأصابعه مثل القبة عليه، "وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب".

                                                                            قال رضي الله عنه: وهو المراد من قوله: "وإنه عليه لهكذا" في رواية أبي الأزهر.

                                                                            وذكر أبو سليمان الخطابي على هذا الحديث: إن الكيفية عن الله، وعن صفاته منفية، وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله وجلاله من حيث يدركه فهم السائل.

                                                                            ومعنى قوله: "أتدري ما الله؟" معناه: أتدري ما عظمة الله وجلاله؟. [ ص: 177 ] .

                                                                            وقوله: "إنه ليئط به" معناه: ليعجز عن جلاله وعظمته حتى يئط به إذ كان معلوما أن أطيط الرحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه، ولعجزه عن احتماله "، ومن" بهذا النوع من التمثيل عنده معنى عظمة الله وجلاله، وارتفاع عرشه، ليعلم أن الموصوف بعلو الشأن، وجلالة القدر لا يجعل شفيعا إلى ما هو دونه، تعالى الله على أن يكون مشبها بشيء، أو مكيفا بصورة خلق، أو مدركا بحد ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) .

                                                                            قال الشيخ، رحمه الله: والواجب فيه وفي أمثاله الإيمان بما جاء في الحديث، والتسليم، وترك التصرف فيه بالعقل، والله الموفق.

                                                                            وقال رحمه الله: وعلى العبد أن يعتقد أن الله سبحانه وتعالى عظيم له عظمة، كبير له كبرياء، عزيز له عزة، حي له حياة، باق له بقاء، عالم وله علم، ومتكلم وله كلام، قوي له قوة، وقادر وله قدرة، وسميع وله سمع، بصير له بصر.

                                                                            قال الله تعالى: ( فسبح باسم ربك العظيم ) ، وقال الله عز وجل: ( وأن الله هو العلي الكبير ) ، وقال الله تعالى: ( وله الكبرياء في السماوات والأرض ) ، [ ص: 178 ] وقال الله تبارك وتعالى: ( وكان الله عزيزا حكيما ) ، وقال الله تعالى: ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ) .

                                                                            وقال النبي صلى الله عليه وسلم، عن الله عز وجل: " وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله ".

                                                                            وقال الله سبحانه وتعالى: ( هو الحي لا إله إلا هو ) ، ( وعنت الوجوه للحي القيوم ) .

                                                                            وقال الله سبحانه وتعالى: ( ويبقى وجه ربك ) ، وقال الله عز وجل: ( كل شيء هالك إلا وجهه ) ، وقال الله عز وجل: ( عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة ) ، وقال عز وجل: ( وكان الله عليما حكيما ) ، وقال تبارك وتعالى: ( أنزله بعلمه ) ، وقال عز وجل: ( وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ) ، وقال عز وجل: ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) ، وقال تعالى: ( وكلم الله موسى تكليما ) ، وقال عز وجل: ( يريدون أن يبدلوا كلام الله ) ، وقال جل ذكره: ( إن الله لقوي عزيز ) ، وقال عز وجل: ( ذو القوة المتين ) [ ص: 179 ] ، وقال عز وجل: ( قل هو القادر ) ، وقال سبحانه وتعالى: ( إن الله على كل شيء قدير ) ، وقال عز وجل: ( عند مليك مقتدر ) ، وقال الله تعالى: ( وكان الله سميعا بصيرا ) ، وقال تعالى: ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ) ، وقال عز وجل: ( إنني معكما أسمع وأرى ) .

                                                                            وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "حجابه النور لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".

                                                                            ويجب أن يعتقد أن الله عز اسمه قديم بجميع أسمائه وصفاته، لا يجوز له اسم حادث، ولا صفة حادثة، كان الله خالقا ولا مخلوق، وربا ولا مربوب، ومالكا ولا مملوك، كما هو الآخر قبل فناء العالم، والوارث قبل فناء الخلق، والباعث قبل مجيء البعث، ومالك يوم الدين قبل مجيء يوم القيامة.

                                                                            وأسماء الله تعالى لا تشبه أسماء العباد، لأن أفعال الله تعالى مشتقة من أسمائه، وأسماء العباد مشتقة من أفعالهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله سبحانه وتعالى: "أنا الرحمن خلقت الرحم، وشققت لها من اسمي": [ ص: 180 ] فبين أن أفعاله مشتقة من أسمائه، فلا يجوز أن يحدث له اسم بحدوث فعله، ولا يعتقد في صفات الله تعالى أنها هو ولا غيره، بل هي صفات له أزلية، لم يزل جل ذكره، ولا يزال موصوفا بما وصف به نفسه، ولا يبلغ الواصفون كنه عظمته، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم. [ ص: 181 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية