الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            105 - قال الشيخ: أخبرنا أبو الفتح نصر بن علي بن أحمد الحاكم الطوسي، أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي، نا أبو العباس الأصم، نا أبو الفضل العباس بن محمد الدوري، نا أبو النضر، نا المسعودي، نا عبد الرحمن، عن عاصم، عن أبي وائل، قال: قال عبد الله، "إن الله تعالى اطلع في قلوب العباد، فاختار محمدا صلى الله عليه وسلم، فبعثه برسالته، وانتجبه بعلمه، [ ص: 215 ] ثم نظر في قلوب الناس بعد، فاختار له أصحابا، فجعلهم أنصار دينه، ووزراء نبيه صلى الله عليه وسلم، فما رآه المؤمنون حسنا، فهو عند الله حسن، وما رآه المؤمنون قبيحا، فهو عند الله قبيح".

                                                                            وحدثنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أنا أبو بكر الحيري، نا أبو العباس الأصم، حدثنا أبو عتبة، نا بقية، نا عبد الرحمن بن عبد الله هو المسعودي، بهذا الإسناد مثله.

                                                                            وروي عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الله لا يجمع أمتي"، أو قال: "أمة محمد على ضلالة، ويد الله على الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار". [ ص: 216 ] .

                                                                            وتفسير الجماعة عند أهل العلم: هم أهل الفقه والعلم.

                                                                            وسئل ابن المبارك عن الجماعة؟ فقال: أبو بكر، وعمر.

                                                                            فقيل له: قد مات أبو بكر، وعمر، قال: ففلان وفلان، قيل: قد مات فلان وفلان؟ قال ابن المبارك : أبو حمزة السكري جماعة.

                                                                            ودخل ابن مسعود على حذيفة، فقال: اعهد إلي، فقال له: ألم يأتك اليقين؟، قال: بلى، وعزة ربي، قال: فاعلم أن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر، وأن تنكر ما كنت تعرف، وإياك والتلون، فإن دين الله واحد.

                                                                            وقال شريح : إن السنة قد سبقت قياسكم، فاتبع ولا تبتدع، فإنك لن تضل ما أخذت بالأثر.

                                                                            وقال الشعبي : إنما الرأي بمنزلة الميتة إذا احتجت إليها أكلتها.

                                                                            وجاء رجل إلى مالك فسأله عن مسألة، فقال له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فقال الرجل: أرأيت؟ قال مالك: ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) .

                                                                            وقال سفيان الثوري : البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها.

                                                                            قال الشيخ: واتفق علماء السلف من أهل السنة على النهي عن الجدال والخصومات في الصفات، وعلى الزجر عن الخوض في علم الكلام وتعلمه. [ ص: 217 ] .

                                                                            سأل رجل عمر بن عبد العزيز عن شيء من الأهواء، فقال: الزم دين الصبي في الكتاب والأعرابي، واله عما سوى ذلك.

                                                                            وقال أيضا: من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل.

                                                                            وقال الزهري: من الله الرسالة، وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ، وعلينا التسليم.

                                                                            وقال مالك بن أنس: إياكم والبدع، قيل: يا أبا عبد الله، وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان.

                                                                            روى عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك: لو كان الكلام علما، لتكلم فيه الصحابة والتابعون، كما تكلموا في الأحكام والشرائع، ولكنه باطل يدل على باطل.

                                                                            وسئل سفيان الثوري عن الكلام، فقال: دع الباطل، أين أنت عن الحق، اتبع السنة، ودع البدعة.

                                                                            وقال: وجدت الأمر الاتباع، وقال: عليكم بما عليه الجمالون والنساء في البيوت، والصبيان في الكتاب من الإقرار والعمل.

                                                                            قال الربيع، عن الشافعي : لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الأهواء.

                                                                            وقال يونس بن عبد الأعلى، عن الشافعي : لأن يبتلى المرء بما نهى الله عنه خلا الشرك بالله خير له من أن يبتليه بالكلام.

                                                                            وقال أبو ثور، عن الشافعي : ما ارتدى أحد بالكلام، فأفلح. [ ص: 218 ] .

                                                                            وقال الحسن بن محمد الصباح : سمعت الشافعي، يقول: حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد، ويحملوا على الإبل، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأخذ في الكلام.

                                                                            وقال الربيع، عن الشافعي : لو أن رجلا أوصى بكتبه من العلم لآخر، وكان فيها كتب الكلام، لم تدخل في الوصية، لأنه ليس من العلم.

                                                                            وقال: لو أوصى لأهل العلم، لم يدخل أهل الكلام.

                                                                            وقال يحيى بن سعيد: سمعت أبا عبيد، يقول: جمع النبي صلى الله عليه وسلم جميع أمر الآخرة في كلمة "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد".

                                                                            وجميع أمر الدنيا في كلمة: "إنما الأعمال بالنيات" يدخلان في كل باب. [ ص: 219 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية