الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            113 - قال الشيخ الحسين بن مسعود: حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد بن زياد الحنفي، أنا محمد بن بشر بن محمد بن محمد المزني، نا أبو [ ص: 243 ] بكر محمد بن الحسين بن بشر النقاش، نا أبو شعيب الحراني، نا يحيى بن عبد الله الضحاك البابلتي، أخبرنا الأوزاعي، حدثني حسان بن عطية، عن أبي كبشة السلولي، عن عبد الله بن عمرو، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل، ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار".

                                                                            هذا حديث صحيح، أخرجه محمد، عن الضحاك بن مخلد أبي عاصم النبيل، عن الأوزاعي .

                                                                            وأبو كبشة السلولي لا يعرف له اسم، وحسان بن عطية شامي، والأوزاعي هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو، شامي، والأوزاع من حمير، ولم يكن منهم، نزل فيهم، مات سنة سبع وخمسين ومائة.

                                                                            ويحيى بن عبد الله البابلتي أبو سعيد، من أهل الجزيرة، مولى لبني أمية، تكلموا فيه وهو محتج به فيما يوافق الثقات. [ ص: 244 ] .

                                                                            قوله: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج".

                                                                            ليس على معنى إباحة الكذب على بني إسرائيل، بل معناه: الرخصة في الحديث عنهم على معنى البلاغ من غير أن يصح ذلك بنقل الإسناد، لأنه أمر قد تعذر في أخبارهم، لطول المدة ووقوع الفترة.

                                                                            وفي إيجاب التحرز عن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن لا يحدث عنه إلا بما يصح عنده بنقل الإسناد، والثبت فيه.

                                                                            وروي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع".

                                                                            وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت على الله ما لا أعلم".

                                                                            وقال عبد الله بن المبارك : الإسناد من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.

                                                                            وقال مطر الوراق في قوله سبحانه وتعالى: ( أو أثارة من علم ) [ ص: 245 ] ، قال إسناد الحديث.

                                                                            وسمع الزهري إسحاق بن أبي فروة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: قاتلك الله يا ابن أبي فروة، ما أجرأك على الله، ألا تسند حديثك، تحدثنا بأحاديث ليس لها خطام ولا أزمة.

                                                                            واختلف أهل العلم في المرسل من الأحاديث، وهو أن يقول التابعي، أو تابع التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ولا يذكر من سمعه منه، فاحتج به جماعة، منهم: إبراهيم النخعي، وحماد بن أبي سليمان، [ ص: 246 ] وأبو حنيفة، وأصحاب الرأي، ولم يحتج به فقهاء الحجاز، وهو قول ابن المسيب، والزهري، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد . [ ص: 247 ] .

                                                                            وكذلك اختلفوا في الرواية على وجه التدليس، وهو أن يقول المحدث: قال فلان، ولم يقل: حدثني فلان، أو سمعت منه، وكان القائل مشهورا بالرواية عنه، مثل أن يقول سفيان بن عيينة : قال ابن شهاب، [ ص: 248 ] أو قال عمرو بن دينار : حدثنا فلان، فصححه أهل الكوفة، ولم يحتج به أهل الحجاز كالمراسيل.

                                                                            واختلفوا في رواية محدث صحيح السماع، صحيح الكتاب، ظاهر العدالة، غير أنه لا يعرف ما يحدث به، ولا يحفظه كأكثر محدثي زماننا، فاحتج به أكثر أهل الحديث، وأما مالك وأبو حنيفة فلا يريان الحجة به.

                                                                            وكذلك اختلفوا في رواية المبتدعة، وأهل الأهواء، فقبلها أكثر أهل [ ص: 249 ] الحديث، إذا كانوا فيها صادقين، فقد حدث محمد بن إسماعيل، عن عباد بن يعقوب الرواجني، وكان محمد بن إسحاق بن خزيمة، يقول: حدثنا الصدوق في روايته المتهم في دينه عباد بن يعقوب . [ ص: 250 ] .

                                                                            واحتج أيضا البخاري في الصحيح بمحمد بن زياد الألهاني، وحريز بن عثمان الرحبي، وقد اشتهر عنهما النصب، واتفق البخاري، ومسلم على الاحتجاج بأبي معاوية محمد بن حازم الضرير، وعبيد الله بن موسى، وقد اشتهر عنهما الغلو.

                                                                            وأما مالك بن أنس، فيقول "لا يؤخذ حديث النبي صلى الله عليه وسلم من صاحب هوى، يدعو الناس إلى هواه، ولا من كذاب يكذب في حديث الناس، وإن كنت لا تتهمه بأن يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم"، ذكر هذا الاختلاف في قبول رواية هؤلاء الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه.

                                                                            وسئل أحمد بن حنبل يكتب عن المرجئ والقدري وغيرهما من أهل الأهواء؟ قال: نعم إذا لم يكن يدعو إليه، ويكثر الكلام فيه، فأما إذا كان داعيا، فلا ".

                                                                            وفي الحديث دليل على وجوب تبليغ ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو ذر : لو وضعتم الصمصامة على هذه، وأشار إلى قفاه، ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها. [ ص: 251 ] .

                                                                            قال سفيان الثوري : أكثروا من هذا الحديث، فإنها سلاح.

                                                                            وقال: ليس شيء أنفع للناس من هذا الحديث.

                                                                            وقال حفص بن غياث في أصحاب الحديث: هم خير أهل الدنيا. [ ص: 252 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية