الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            102 - قال الشيخ الحسين بن مسعود: حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد بن زياد الحنفي، أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الأنصاري، أنا أبو عبد الله محمد بن عقيل بن الأزهر بن عقيل الفقيه البلخي، نا الرمادي أحمد بن منصور، نا الضحاك بن مخلد، نا ثور بن يزيد، نا خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي، عن العرباض بن سارية، قال: " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا.

                                                                            فقال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلاله "
                                                                            ، هذا حديث حسن [ ص: 206 ] والعرباض بن سارية يكنى أبا نجيح السلمي، ويقال: الفزاري.

                                                                            قوله: "وإن كان عبدا حبشيا" يريد به طاعة من ولاه الإمام، وإن كان حبشيا، ولم يرد بذلك أن يكون الإمام عبدا حبشيا، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "الأئمة من قريش".

                                                                            أو ذكر ذلك على طريق ضرب المثل، فإن المثل قد يضرب في الشيء بما لا يكاد يصح في الوجود، كما يروى من بنى مسجدا ولو كمفحص قطاة، بنى الله له بيتا في الجنة، ونحو ذلك من الكلام.

                                                                            وقوله: "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا" إشارة إلى ظهور البدع والأهواء، والله أعلم، فأمر بلزوم سنته، وسنة الخلفاء الراشدين، والتمسك بها بأبلغ وجوه الجد، ومجانبة ما أحدث على خلافها. [ ص: 207 ] .

                                                                            وفيه دليل على أن الواحد من الخلفاء الراشدين إذا قال قولا، وخالفه غيره من الصحابة، كان المصير إلى قوله أولى، وإليه ذهب الشافعي في القديم. [ ص: 208 ] .

                                                                            وأراد بمحدثات الأمور: ما أحدث على غير قياس أصل من أصول الدين، فأما ما كان مردودا إلى أصل من أصول الدين، فليس بضلالة.

                                                                            قال الشيخ: والحديث يدل على تفضيل الخلفاء الراشدين على من سواهم من الصحابة، وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فهؤلاء أفضل الناس بعد النبيين والمرسلين صلى الله عليهم، وترتيبهم في الفضل، كترتيبهم في الخلافة، فأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي.

                                                                            وكما خص النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء من بين الصحابة باتباع سنتهم، فقد خص من بينهم أبا بكر، وعمر في حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر، وعمر ".

                                                                            وكان ابن عباس إذا سئل عن الأمر، وكان في القرآن، أخبر به، فإن لم يكن وكان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبر به، فإن لم يكن فعن أبي بكر، وعمر، فإن لم يكن قال فيه برأيه.

                                                                            وقال أبي بن كعب : إن اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة، ومثله عن ابن مسعود.

                                                                            وقال ابن عون : ثلاث أحب لنفسي ولإخواني: هذه السنة أن [ ص: 209 ] يتعلموها، ويسألوا عنها، والقرآن أن يتفهموه، ويسألوا عنه، ويدعوا الناس إلا من خير.

                                                                            وقال الأوزاعي : خمس كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لزوم الجماعة، واتباع السنة، وعمارة المسجد، وتلاوة القرآن، وجهاد في سبيل الله. [ ص: 210 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية