الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب البيعة على الإسلام وشرائعه والقتال مع من أبى.

                                                                            قال الله سبحانه وتعالى: ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) .

                                                                            29 - قال الشيخ الحسين بن مسعود، رحمه الله: أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، نا محمد بن إسماعيل، نا أبو اليمان، أنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله، أن عبادة بن الصامت، وكان شهد بدرا، وهو أحد النقباء ليلة العقبة، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال، وحوله عصابة من أصحابه: "بايعوني، على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه [ ص: 61 ] بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم، فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا، فهو كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئا، ثم ستره الله، فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه"، فبايعناه على ذلك ".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، وأخرجه مسلم، عن يحيى بن يحيى، [ ص: 62 ] وأبي بكر بن أبي شيبة، وغيرهما، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري .

                                                                            وعبادة بن الصامت الأنصاري كنيته أبو الوليد، شهد بدرا، وعائذ الله أبو إدريس الخولاني الشامي، ولد عام حنين.

                                                                            قوله: "ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم".

                                                                            قال الخطابي : يقال: بهت الرجل صاحبه يبهت بهتا وبهتانا، وهو أن يكذب عليه الكذب الذي يبهت من شدة نكره، ويتحير فيه، فيبقى مبهوتا، والمراد منه قذف أهل الإحصان، ويدخل فيه رمي الناس بالعظائم، وما يلحق بهم العار والفضيحة.

                                                                            وقوله: "تفترونه بين أيديكم وأرجلكم"، ذكر اليد والرجل مع أنه لا صنع لهما فيه، وهو على وجهين: أحدهما: أن معظم أفعال الناس إنما يضاف إلى الأيدي والأرجل، لأنهما العوامل، وإن شاركهما سائر الأعضاء، كما إذا أولاه صاحبه معروفا، يقول: صنع فلان عندي يدا، وله عندي يد، والصنائع: الأيادي، وقد يعاقب الرجل على جناية لسانه، فيقال له: هذا بما كسبت يدك، واليد لا فعل لها فيه.

                                                                            فمعنى الحديث لا تبهتوا الناس افتراء واختلافا بما لم تعلموه منهم، فتجنوا عليهم من قبل أيديكم وأرجلكم، أي: قبل أنفسكم جناية تفضحونهم بها، وهم برآء، واليد والرجل كناية عن الذات. [ ص: 63 ] .

                                                                            والوجه الآخر: أن لا تبهتوا الناس بالعيوب كفاحا يشاهد بعضكم بعضا، كما يقال: فعلت هذا بين يديك، أي: بحضرتك، وهذا النوع أشد ما يكون من البهت.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى في امتحان النساء: ( ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ) يحتمل مع الوجهين وجها ثالثا، وهو أن تلتقط المرأة لقيطا، وتقول لزوجها: هذا ولدي منك، فتلحق بزوجها ولدا ليس منه: هو البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن، وذلك أن المولود إذا وضعته الأم يسقط بين يديها ورجليها، وحضانته وتربيته في الصغر تكون بين الأيدي والأرجل، فأخذ عليهن من الشرط أن لا يأتين بكذب وبهتان من الفعل محله بين الأيدي والأرجل، وليس المراد منه أن تأتي بولد من الزنا، فتنسبه إلى الزوج، لأن شرط النهي عن الزنا قد تقدم ذكره.

                                                                            وقيل: كنى بما بين يديها ورجليها عن الولد، لأن فرجها بين الرجلين، وبطنها الذي يحمله بين اليدين، والله أعلم.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية