الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب مجانبة أهل الأهواء.

                                                                            قال الله سبحانه وتعالى: ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ) ، وقال الله تعالى: ( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه ) ، وقال الله عز وجل: ( فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ) ، وقال الله عز وجل: ( فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا ) ، أي: صاروا أحزابا وفرقا على غير دين ولا مذهب، وقيل: اختلفوا في الاعتقاد والمذاهب.

                                                                            وقال سعيد بن جبير في قوله: ( أولي الأيدي والأبصار ) ، قال: الأيدي: القوة في العمل، والأبصار: بصراء بما هم فيه من دينهم.

                                                                            قال مجاهد في قوله تعالى: ( منه آيات محكمات ) ، قال: الحلال، والحرام.

                                                                            ( وأخر متشابهات ) يصدق بعضها بعضا، كقوله سبحانه [ ص: 220 ] وتعالى: ( وما يضل به إلا الفاسقين ) ، وكقوله تعالى: ( ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ) ، وكقوله تعالى: ( والذين اهتدوا زادهم هدى ) .

                                                                            106 - قال الشيخ الحسين بن مسعود، رحمه الله: أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، نا محمد بن إسماعيل، نا عبد الله بن مسلمة، نا يزيد بن إبراهيم التستري، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من [ ص: 221 ] عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ) ، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم أيضا، عن عبد الله بن مسلمة بن قعنب.

                                                                            وابن أبي مليكة اسمه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أبو بكر القرشي التيمي الأحول، كان قاضيا على عهد ابن الزبير، ويقال: كنيته أبو محمد، مات سنة سبع عشرة ومائة.

                                                                            وقوله: ( آيات محكمات ) أي: غير منسوخات، وقوله: ( آيات الكتاب الحكيم ) أي: المحكم.

                                                                            وقوله: ( أحكمت آياته ثم فصلت ) أي: أحكمت بالأمر والنهي، والحلال والحرام، ثم فصلت بالوعد والوعيد. [ ص: 222 ] .

                                                                            وقيل: المحكم: هو الذي يعرف بظاهره معناه.

                                                                            وأما المتشابه، ففيه أقاويل، أحدها: ما قال الخطابي وجماعة: ما أشتبه منه، فلم يتلق معناه من لفظه، وذلك على ضربين: أحدهما: إذا رد إلى المحكم عرف معناه، والآخر: ما لا سبيل إلى معرفة كنهه، والوقوف على حقيقته، ولا يعلمه إلا الله، وهو الذي يتبعه أهل الزيغ يبتغون تأويله، كالإيمان بالقدر والمشيئة، وعلم الصفات ونحوها مما لم نتعبد به، ولم يكشف لنا عن سره، فالمتبع لها مبتغ للفتنة، لأنه لا ينتهي منه إلى حد تسكن إليه نفسه، والفتنة: الغلو في التأويل المظلم.

                                                                            وقوله سبحانه وتعالى: ( هن أم الكتاب ) أي: معظمه، يقال لمعظم الطريق: أم الطريق، وقوله عز وجل: ( حتى يبعث في أمها رسولا ) أي: في معظمها.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية