الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 104 ] 230 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : { إنما الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة } .

1467 - حدثنا يزيد بن سنان وإبراهيم بن مرزوق جميعا ، قالا : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا أبي ، قال : سمعت النعمان بن راشد يحدث ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إنما الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة } .

1468 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا أبو اليمان ، قال : حدثنا شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري ، قال : حدثني سالم بن عبد الله ، أن عبد الله بن عمر ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { إنما الناس [ ص: 105 ] كالإبل المائة لا يكاد يرى فيها راحلة } .

1469 - حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا عبد الله - يعني : ابن المبارك - عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم... فذكر مثله .

1470 - حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا محمد بن عبيد بن محمد الكوفي ، عن سفيان ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم... فذكر مثله .

[ ص: 106 ] قال أبو جعفر : فتأملنا هذا الحديث ، فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال القول الذي ذكرناه عنه فيه ، فكان ظاهره عمومه الناس جميعا به ، غير أنا عقلنا أنه صلى الله عليه وسلم لم يردهم جميعا به ؛ لأن فيهم من يحمل عن غيره منهم ما يحمله المحمودون من الناس على من سواهم منهم ممن يكون في جملة ذلك عنهم ، كمثل الرواحل التي تبين بما يحمل عن ما سواها من الإبل التي ليست من الرواحل التي تحمل ، فقال قائل : أفي يجوز هذا في اللغة أن يكون شيء يجري على ذكر الناس يراد به خاصا منهم دون بقيتهم .

قيل له : نعم هذا جائز فيها ، قال : الله تعالى : الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ، فكان في ذلك ذكره عز وجل القائلين بذلك القول بالناس ، وذكره عز وجل المخبر عنهم بالجمع أيضا بالناس ، وهناك ناس آخرون وهم المقول لهم ذلك القول ، ولما كان ما ذكرنا جائزا في اللغة كما وصفنا جاز فيها أيضا أن يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم : الناس كإبل مائة يريد به خاصا من الناس ، وهم الذين لا غناء معهم ، ولا منفعة عندهم لمن سواهم من الناس كإبل مائة ليس فيها راحلة تحمل ما يحتاج الناس إلى حمله عنهم ، وتكون الإبل التي لا راحلة فيها كالناس الذين لا منفعة عندهم من علم يؤخذ عنهم ، ولا مما سوى ذلك مما يحتاج بعض الناس إليه من بعض .

[ ص: 107 ] وفي الناس سواهم بحمد الله ونعمته من هو في هداية الناس لرشدهم وفي تعليمهم إياهم أمر دينهم ، وفي تسديدهم لهم في أمورهم وفي حمل الكل عنهم كثير ، وقد روي هذا أيضا عن ابن عمر من غير هذا الوجه بألفاظ سوى هذه الألفاظ التي روي بها هذا الحديث .

1471 - كما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني أسامة بن زيد الليثي ، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : { الناس كالإبل المائة ، هل ترى فيها راحلة ؟ أو متى ترى فيها راحلة ؟ } قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا نعلم شيئا خيرا من مائة مثله إلا المؤمن } .

[ ص: 108 ] قال أبو جعفر : ومعنى هذا الحديث كمعنى ما رويناه قبله في صدر هذا الباب .

وقوله صلى الله عليه وسلم : هل ترى فيها راحلة أو متى ترى فيها راحلة مما قد يحتمل أن يكون على النفي أن ترى فيها راحلة أو تجد فيها راحلة ، أو على الوجود لذلك في الوقت البعيد ، والله أعلم بما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وإياه نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية