الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 56 ] 224 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقوع على الحامل المسبية وهي كذلك

1423 - حدثنا بكار بن قتيبة وإبراهيم بن مرزوق ، قالا : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثني يزيد بن خمير ، قال : سمعت عبد الرحمن بن جبير بن نفير يحدث ، عن أبيه ، عن أبي الدرداء { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة عند خباء أو عند فسطاط مجخا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعل صاحب هذه أن يلم بها ، لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه قبره ، كيف يورثه وهو لا يحل له ، وكيف يسترقه وهو لا يحل له } .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث كيف يورثه وهو لا يحل له [ ص: 57 ] ففي ذلك ما قد دل أنه لا يكون بما كان منه في أمه من وطئه إياها وهي حامل به ابنا له ، كما قد تأوله من تأوله على أن فيه دليلا على أن نسبه بما كان منه في أمه قد لحق به مع لحوقه بالذي كان ابتداء حملها به منه ؛ لأن من يقول ذلك يورث الولد من أبويه اللذين يلحق نسبه منهما .

وفي هذا الحديث كيف يورثه وهو لا يحل له ، ثم رجعنا إلى طلب هذا الحديث من غير هذا الوجه لنجد فيه ما رواه شعبة عليه مخالفة أو موافقة .

1424 - فوجدنا علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة الكوفي وفهد بن سليمان جميعا ، قد حدثانا قالا : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن أسد بن وداعة ، عن رجل قد سماه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أسد قديما مرضيا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى امرأة حامل من السبايا بخيبر ، فقال : لمن هذه ؟ فقالوا : لفلان . قال : أيطؤها ؟ قالوا : نعم . قال : لقد هممت أن ألعنه لعنة تدركه في قبره ، ويحه أيورثه وليس منه [ ص: 58 ] أو يستعبده وقد غذاه في سمعه وبصره } .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث غير ما في الحديث الأول ، وهو قوله : أيورثه وليس منه ، ففي ذلك ما قد نفى أن يكون له في نسبه شيء أو يستعبده وقد غذاه في سمعه وبصره ، ففي ذلك ما قد دلك على منعه من استعباده إياه لما كان منه في أمه وهي حامل به ، وقد كان مكحول يذهب في ذلك إلى عتاق هذا الولد على واطئ أمه في حال حملها به .

كما .

حدثنا فهد بن سليمان وهارون بن كامل جميعا ، قالا : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح أنه سأل يحيى بن سعيد عنه - يعني : عمن كان منه مثل ما في هذا الحديث - فقال : لا يعتق ولدها . وقال مكحول : يعتق ولدها . ومما دلنا على أن مكحولا إنما أخذ قوله هذا من هذا الحديث الذي روينا في هذا الباب .

1425 - أن فهدا وهارون حدثانا ، قالا : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن أبي بكر قال أبو جعفر - وهو [ ص: 59 ] ابن أبي مريم - : عن مكحول ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجارية اشتراها رجل وهي حبلى ، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتطؤها وهي حبلى ؟ قال : نعم . قال : إنك تغذو في سمعه وبصره ، فإذا ولد فأعتقه ؛ فإنه لا يحل لك ملكته ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توطأ حبلى } .

قال أبو جعفر : يعني : حبلى من غير الذي يحاول وطأها ، غير أن في هذا الحديث ما يخالف قول مكحول الذي رويناه عنه ، أنه يعتق ولدها ؛ لأن في هذا أنه أمر أن يعتق ولدها ، فهذا يدل على أنه قبل أن يعتقه غير عتيق ، غير أنه قد يحتمل أن يكون ما رويناه عن مكحول من قوله الذي ذكرنا : يعتق ولدها ، لم يضبطه من أخذناه عنه ويكون في الحقيقة ، إنما هو يعتق ولدها أن يستأنف بعد ولادة أمه إياه عتاقه حتى يتفق قوله ، وما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يختلفان .

قال أبو جعفر : وقد يحتمل أن يكون مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك الواطئ بعتاق ذلك الولد إشفاقا منه أن يكون ما كان ظهر بأمه مما كان ظاهره أنه حمل منها ليس في الحقيقة كذلك ، ثم وقع عليها فحملت منه ، فكره له استرقاقه لذلك ، واستحب له عتاقه إشفاقا في ذلك أن يكون ابنه ولم يلحق به نسبه ؛ إذ كان لم يتيقن أنه ابنه ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية