الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 164 ] 238 - باب بيان مشكل ما { روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لمن كان دعاه وهو يصلي فلم يجبه حتى فرغ من صلاته ، ثم أتاه مجيبا له بقوله : ما منعك أن تجيبني ؟ قال : كنت أصلي . قال : أفلم تجد فيما أنزل الله عز وجل علي : يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم .

قد ذكرنا مما يدخل في هذا الباب في باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المراد بقول الله عز وجل : ولقد آتيناك سبعا من المثاني ، وحديث أبي سعيد بن العلاء الذي يدخل في هذا الباب .

1510 - وقد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : حدثنا أبو غسان محمد بن المطرف ، قال : حدثني العلاء بن عبد الرحمن مولى الحرقة ، عن أبيه ، { عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب وهو يصلي ، فقال : يا أبي ، فالتفت أبي فلم يجبه ، ثم صلى فخفف ، ثم [ ص: 165 ] انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وعليك السلام ، ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك ؟ قال : يا رسول الله ، كنت في الصلاة . قال : أفلم تجد فيما أوحى الله إلي أن استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ؟ قال : بلى يا رسول الله ، ولا أعود إن شاء الله } .

1511 - حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا محمد بن عثمان العثماني ، قال : حدثنا الدراوردي ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... مثله .

قال أبو جعفر : ففيما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إيجابه على من دعاه وهو يصلي إجابته وترك صلاته ، وأن ذلك أولى به من تماديه في صلاته بما يلام عليه مما أنزله الله عز وجل عليه ، إذ كان المصلي قد يقدر أن يخرج من صلاته إلى الفضل الذي يصيبه في إجابته رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعاه .

[ ص: 166 ] فقال قائل : أفيدخل في ذلك إجابة الرجل أمه إذا دعته وهو يصلي ؟

فكان جوابنا له بتوفيق الله وعونه ، أن ذلك غير مستنكر أن يكون كذلك ؛ لأنه قد يستطيع ترك صلاته وإجابته لأمه لما عليه أن يجيبها فيه ، والعود إلى صلاته ؛ ولأن صلاته إذا فاتت قضاها ، وبره أمه إذا فات لم يستطع قضاءه ، وقد دلك على ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جريج الراهب .

1512 - كما حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا شعيب بن الليث ، قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عبد الرحمن بن هرمز . قال : قال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { نادت امرأة ابنها وهو في صومعة ، قالت : يا جريج قال : اللهم أمي أو صلاتي ؟ قالت : يا جريج . قال : اللهم أمي أو صلاتي ؟ حتى كان ذلك منها ثلاث مرات . قالت : اللهم لا يمت جريج حتى ينظر في وجهه الميامس ، وكان يأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم ، فولدت فقيل لها : ممن هذا الولد ؟ قالت : من جريج ، فنزل من صومعته . قال : جريج أين هذه [ ص: 167 ] التي تزعم أن ولدها لي ؟ قال : يا بابوس ، من أبوك ؟ قال : أبي راعي الغنم } .

قال أبو جعفر : فكان في هذا الحديث أن جريجا عوقب بترك إجابة أمه لما دعته وهو يصلي وتماديه في صلاته بأن عوقب بما عوقب به من أجل ذلك ، فدل ذلك أن إجابته أمه والعود إلى صلاته بعد ذلك كان أفضل له من التمادي في صلاته وتركه إجابته أمه ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية