الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 277 ] 260 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : { أنت ومالك لأبيك }

1598 - حدثنا الربيع بن سليمان الأزدي الحيري وإبراهيم بن أبي داود الأسدي جميعا ، قالا : حدثنا عبد الله بن يوسف التنيسي ، قال : حدثنا عيسى بن يونس ، قال : حدثنا يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق ، عن ابن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، أن { رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن لي مالا وعيالا ، وإن لأبي مالا وعيالا ، وإنه يريد أن يأخذ مالي إلى ماله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت ومالك لأبيك } .

[ ص: 278 ] [ ص: 279 ] فسألت أبا جعفر محمد بن العباس ، عن المراد بهذا الحديث ، فقال : المراد به موجود فيه ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه : { أنت ومالك لأبيك } فجمع فيه الابن ومال الابن فجعلهما لأبيه فلم يكن جعله إياهما لأبيه على ملك أبيه إياه ، ولكن على أن لا يخرج ، عن قول أبيه فيه فمثل ذلك قوله مالك لأبيك ليس على معنى تمليكه إياه ماله ، ولكن على معنى أن لا يخرج عن قوله فيه .

وسألت ابن أبي عمران عنه ، فقال قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : أنت ومالك لأبيك كقول أبي بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم إنما أنا ومالي لك يا رسول الله ، لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما نفعني مال ، ما نفعني مال أبي بكر ، يعني بذلك .

1599 - ما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا ابن سعيد بن الأصبهاني ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما نفعني مال قط ، ما نفعني مال أبي بكر . قال : فقال أبو بكر رضي الله عنه : إنما أنا [ ص: 280 ] ومالي لك يا رسول الله .

فكان مراد أبي بكر رضي الله عنه بقوله هذا أي : أن أقوالك وأفعالك نافذة في وفي مالي ما تنفذ الأقوال والأفعال من مالكي الأشياء في الأشياء ، فمثل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائله المذكور في هذا الحديث وهو على هذا المعنى والله أعلم .

وقد جاء كتاب الله تعالى بما كشف لنا عن المشكل في هذا الجواب من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يوجب انتفاء ملك الأب عما يملك الابن . قال الله : والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فكان ما يملكه الابن من الإماء حلالا له وطؤهن وحراما على أبيه وطؤهن . فدل ذلك على أن ملكه فيهن ملك تام صحيح ، وأن أباه فيهن بخلاف ذلك .

وقد قال عز وجل في آية المواريث : ولأبويه لكل واحد منهما السدس ، فجعل لأمه نصيبا في ماله بموته ، ومحال أن تستحق بموت ابنها جزءا من مال لأبيه دونه ، ثم قال عز وجل : من بعد وصية يوصي بها أو دين فاستحال أن يجب [ ص: 281 ] قضاء ما عليه من دين من مال لأبيه دونه أو تجوز وصية منه في مال لأبيه دونه ، قال : وفيما ذكرت من هذا ما قد دل على ما وصفته فيه .

قال أبو جعفر : وكان هذان الجوابان من هذين الشيخين سديدين ، كل واحد منهما شاد لصاحبه ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية