الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 287 ] 262 - باب بيان مشكل ما { روي من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اكتتابه العهدة التي اكتتبها للعداء بن خالد بن هوذة في بيعه إياه عبدا أو أمة بيع المسلم للمسلم ، لا داء ولا غائلة ولا خبثة } .

1605 - حدثنا عبد العزيز بن معاوية بن عبد العزيز القرشي ، ثم العتابي أبو خالد ، قال : حدثنا عباد بن ليث ، قال : حدثني { عبد المجيد بن وهب ، قال : قال لي العداء بن خالد بن هوذة : ألا أقرئك كتابا كتبه لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : بلى ، فأخرج لي كتابا ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله ، اشترى منه عبدا أو أمة - شك عبد المجيد - بيع المسلم للمسلم لا داء ولا غائلة ولا خبثة } .

[ ص: 288 ] قال أبو جعفر : وقد كنا سمعنا قبل ذلك هذا الحديث من غير واحد حدثنا به عمن حدثه إياه عباد هذا ، فمنهم :

1606 - أبو أمية حدثناه ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة ، قال : حدثنا عباد ... ثم ذكر بإسناده مثله

1607 - ومنهم أحمد بن أبي عمران حدثناه ، قال : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال عباد ... ثم ذكر بإسناده مثله .

1608 - ومنهم يزيد بن سنان حدثناه ، قال : حدثنا أخي محمد بن [ ص: 289 ] سنان ، قال : حدثنا عباد ... ثم ذكروا بإسناده مثله ، غير أنهم لم يقولوا في حديثهم : ولا غائلة .

فتأملنا هذا الحديث ، فوجدنا الأدواء معقولة أنها الأمراض ، ووجدنا الغوائل معقولة أنها غوائل المبيع من الأخلاق المذمومة التي يكون فيها من الإباق ومن السرقات وسائر الأحوال المذمومة التي يغتال بها من سواه . ومن ذلك قيل : قتل فلان فلانا قتل غيلة .

ومنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لقد هممت أن أنهى ، عن الغيلة حتى ذكرت ، أن فارس والروم يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم } ، أي : ما يطرأ على أولادهم المحمولة بهم مما يكون إلى أمهاتهم من جماعهم إياهن وهن كذلك ، فسمي ذلك غيلا ؛ لأنه يأتي أولادهن من حيث لا يعلمون . وسنذكر ذلك بأسانيده ، وبما قاله أهل العلم فيه فيما بعد من كتابنا هذا ، إن شاء الله.

فمثل ذلك هذه الأشياء التي يغتال فيها المملوكون مالكيهم من الأجناس التي ذكرنا ، ووجدنا الخبثة قد قال الناس فيها قولين : أحدهما : أنه الشيء المذموم وهو سبي ذوي العهود الذين لا يحل استرقاقهم ، ولا يقع الإملاك بذلك عليهم ، هكذا كان ابن أبي عمران يذكره لنا عن أهل العلم بذلك النوع ، ولا يحكي لنا خلافا فيه ، وأما غيره من أهل العلم بهذا النوع فكانوا يقولون : إن الخبثة هي الأشياء [ ص: 290 ] الخبيثة .

ومن ذلك قول الله : الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات ، ومنها قوله عز وجل : والذي خبث لا يخرج إلا نكدا . قالوا : فكل مذموم ، فهو خبيث ، وهذه الأشياء التي ذكرنا أنها الغوائل هي مذمومات مكروهات ، فكل شيء منها عندهم خبثة ، فكان من الحجة في ذلك لمن ذهب مذهب ابن أبي عمران ، أن الغوائل كما ذكروا خبائث وهي غوائل ، وأن كل خبيث غائلة ، وليس كل غائلة خبيثا ، فكان رد السبي لا فعل للمملوكين فيه ، كما الأفعال المذمومات اللاتي ذكرنا في الغوائل أفعال لهم ، فكانت الغوائل كما ذكرنا ، وكانت الخبثة مما لا فعل للمملوكين فيه ، إنما هي فعل غيرهم فيهم ، ففرق في ذلك بين الغائلة والخبثة لهذا المعنى . وهذا عندنا أشبه من القول الآخر ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية