الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            236 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي، قال: أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، قال: نا أبو العباس الأصم .

                                                                            ح وأنا أحمد بن عبد الله الصالحي، ومحمد بن أحمد العارف، قالا: حدثنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أنا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا الشافعي، أنا مسلم، وعبد المجيد، عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن عباد بن زياد، أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره، [ ص: 456 ] أن المغيرة بن شعبة أخبره، " أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، قال المغيرة: فتبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الغائط، فحملت معه إداوة قبل الفجر، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت أهريق على يديه من الإداوة، وهو يغسل يديه ثلاث مرات، ثم غسل وجهه، ثم ذهب يحسر جبته عن ذراعيه، فضاق كما جبته، فأدخل يده في الجبة، وغسل ذراعيه إلى المرفقين، ثم توضأ، ومسح على خفيه، ثم أقبل، قال المغيرة: فأقبلت معه حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف، قد صلى لهم، فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم إحدى الركعتين معه، وصلى مع الناس الركعة الآخرة، فلما سلم عبد الرحمن، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتم صلاته، فأفزع ذلك المسلمين، وأكثروا التسبيح، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، أقبل عليهم، ثم قال: أحسنتم أو قال: أصبتم يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها ".

                                                                            قال الشافعي: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن حصين وزكريا، ويونس ، عن الشعبي، عن عروة بن المغيرة، عن المغيرة بن شعبة، قال: قلت: [ ص: 457 ] يا رسول الله، أتمسح على الخفين؟ قال: نعم إني أدخلتهما وهما طاهرتان.

                                                                            هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج.

                                                                            قال الإمام رضي الله عنه: فيه دليل على أنه لا يكره الاستعانة بالله بالغير في صب الماء عليه في الوضوء.

                                                                            وقوله: "إني أدخلتهما وهما طاهرتان" معناه: ما صرح به في حديث آخر، فقال: "دع الخفين، فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان".

                                                                            وفيه دليل على أن المسح على الخفين، إنما يجوز إذا لبسهما على كمال الطهارة، هذا قول عامة أهل العلم.

                                                                            واختلفوا فيما لو غسل إحدى الرجلين، وأدخلها الخف، ثم غسل الأخرى، فأدخل، فذهب جماعة إلى أنه لا يجوز المسح، لأنه لبس الخف [ ص: 458 ] الأول قبل كمال الطهارة حتى ينزعه فيلبسه ثانيا، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق .

                                                                            وجوزه جماعة، وهو قول الثوري، وأصحاب الرأي.

                                                                            وفي الحديث دليل على أن من أدرك شيئا من الصلاة مع الإمام يأتي به معه، ثم أتمها بعد ما سلم، ولا سجود عليه للسهو.

                                                                            وروي عن أبي سعيد الخدري، وابن عمر، وابن الزبير "أن من أدرك الفرد من الصلاة عليه سجدتا السهو".

                                                                            واختلفوا في جواز المسح على الجوربين، فأجازه جماعة، إذا كان ثخينين لا يشفان، وهو قول الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي، قال الشافعي : "إذا كانا منعلين يمكن متابعة المشي عليهما".

                                                                            وروي عن عمر، وعلي، وابن عباس، والبراء بن عازب، وأنس، وأبي أمامة، وسهل بن سعد "المسح على الجوربين"، ولم يجوز مالك، والأوزاعي المسح على الجوربين.

                                                                            قال الإمام: وشرط الخف الذي يجوز المسح عليه أن يستر الرجلين مع الكعبين، فإن تخرق منه شيء في محاذاة المغسول بحيث [ ص: 459 ] ظهر منه شيء من الرجل أو اللفافة، فاختلف أهل العلم فيه، فذهب قوم إلى أنه لا يجوز المسح عليه، وإن كان شيئا قليلا، وهو قول الشافعي .

                                                                            وذهب قوم إلى جوازه وإن تفاحش الخرق ما دام يثبت في الرجل، وبه قال مالك، وقال قوم: يجوز إذا كان أقل من قدر ثلاثة أصابع، وهو قول أصحاب الرأي.

                                                                            وإذا لبس فوق الخف خفا آخر، فإن كان بصفة لو تفرد لم يجز المسح عليه، فلا يجوز أن يمسح عليه فوق الخف، وإن كان بصفة لو تفرد يجوز المسح عليه، فاختلف أهل العلم فيه، فذهب أكثرهم إلى جواز المسح، وهو قول مالك، وأصحاب الرأي، ولم يجوز بعضهم، وهو أظهر قولي الشافعي رضي الله عنه. [ ص: 460 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية