الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            122 - أنا محمد بن الحسن المربند كشائي، أنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سراج الطحان، أنا أبو أحمد محمد بن قريش بن سليمان المروروذي، أنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز المكي، أخبرنا أبو عبيد القاسم بن سلام، نا حجاج، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن الحسن، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "ما نزل من القرآن آية إلا لها ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع". [ ص: 263 ] .

                                                                            قال: فقلت: يا أبا سعيد، ما المطلع؟ قال: يطلع قوم يعملون به.

                                                                            قال أبو عبيد : أحسب قول الحسن هذا إنما ذهب إلى قول عبد الله بن مسعود فيه: حدثني حجاج، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مرة، عن عبد الله، قال: "ما من حرف، أو آية إلا قد عمل بها قوم، أو لها قوم سيعملون بها".

                                                                            قال الشيخ رحمه الله: هذا حديث مرسل.

                                                                            وقد يروى هذا عن أبي الأحوص، عن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل آية منها ظهر وبطن، ولكل حد مطلع".

                                                                            قوله: "لكل آية منها ظهر وبطن" اختلفوا في تأويله، فيروى عن الحسن: أنه سئل عن ذلك، فقال: إن العرب، تقول: قلبت أمري ظهرا لبطن، ويقال: الظهر لفظ القرآن، والبطن تأويله، وقيل: الظهر: ما حدث فيه عن أقوام أنهم عصوا، فعوقبوا وأهلكوا بمعاصيهم، فهو في الظاهر خبر، وباطنه عظة وتحذير أن يفعل أحد مثل ما فعلوا، فيحل بهم ما حل بهم. [ ص: 264 ] .

                                                                            وقيل: ظاهره تنزيله الذي يجب الإيمان به، وباطنه وجوب العمل به، وما من آية إلا وتوجب الأمرين جميعا، لأن وجوه القرآن أمر ونهي، ووعد ووعيد، ومواعظ وأمثال، وخبر ما كان وما يكون، وكل وجه منها يجب الإيمان به، والتصديق له، والعمل به، فالعمل بالأمر إتيانه، وبالنهي الاجتناب عنه، وبالوعد الرغبة فيه، وبالوعيد الرهبة عنه، وبالمواعظ الاتعاظ، وبالأمثال الاعتبار.

                                                                            وقيل: معنى الظهر والبطن: التلاوة والتفهم، كأنه يقول: لكل آية ظاهر، وهو أن يقرأها كما أنزلت، قال الله سبحانه وتعالى: ( ورتل القرآن ترتيلا ) ، وباطن وهو التدبر والتفكر، قال الله تعالى: ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ) .

                                                                            ثم التلاوة إنما تأتي بالتعلم والحفظ بالدرس، والتفهم إنما يكون بصدق النية، وتعظيم الحرمة، وطيب الطعمة.

                                                                            وقوله: "لكل حرف حد، ولكل حد مطلع"، يقول: لكل حرف حد في التلاوة ينتهي إليه، فلا يجاوز، وكذلك في التفسير، ففي التلاوة لا يجاوز المصحف الذي هو الإمام، وفي التفسير لا يجاوز المسموع.

                                                                            قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إذا قلت في القرآن برأيي".

                                                                            وروي أنه سئل عن قوله سبحانه وتعالى: ( وفاكهة وأبا ) ما الأب؟ فقال: "أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم". [ ص: 265 ] .

                                                                            وروي عن عمر، أنه قال: ( وفاكهة وأبا ) قال: ما الأب؟ ثم قال ابن الخطاب: "إن هذا لهو التكلف".

                                                                            وقال سعيد بن جبير : سألت ابن عباس عن قوله سبحانه وتعالى: ( والسماء والطارق ) ، وقوله عز وجل: ( والمحصنات من النساء ) وعن قوله: ( فلا أقسم بالخنس ) قال: ما أعلم منه إلا ما تعلم.

                                                                            وقال ابن سيرين : سألت عبيدة عن آية: قال: عليك بالسداد، فقد ذهب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن.

                                                                            قال إبراهيم: كان أصحابنا يكرهون التفسير ويهابونه.

                                                                            قوله: مطلع.

                                                                            المطلع: المصعد، أي: لكل حد مصعد يصعد إليه من معرفة علمه، ويقال: المطلع: هو الفهم، وقد يفتح الله تعالى على المتدبر، والمتفكر فيه من التأويل، والمعاني ما لا يفتح على غيره، وفوق كل ذي علم عليم.

                                                                            قال أبو الدرداء : لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها كثيرة، قال حماد: قلت لأيوب: ما معنى قول أبي الدرداء؟ . . . وقد ذكرناه في آخر أول الباب [ ص: 266 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية