الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            135 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، نا محمد بن إسماعيل، نا محمد بن العلاء، نا حماد بن أسامة، عن يزيد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها ثغبة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها [ ص: 288 ] أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم، عن أبي عامر الأشعري، عن أبي أسامة حماد بن أسامة، وقال: "وكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء".

                                                                            وقوله: "فكانت منها ثغبة".

                                                                            فالثغبة: مستنقع الماء في الجبال والصخور، وجمعها ثغبان، وهو الثغب أيضا، قال عبد الله: "ما شبهت ما غبر من الدنيا إلا بثغب ذهب صفوه، وبقي كدره"، ويروى: "فكانت منها نقية".

                                                                            وقوله: "وكانت منها أجادب" والأجادب: صلاب الأرض التي تمسك الماء، فلا يسرع إليه النضوب، وقال الأصمعي: الأجادب من الأرض ما لم تنبت الكلأ فهي جرداء بارزة، لا يسترها النبات. [ ص: 289 ] .

                                                                            ويروي بعضهم: "وكانت منهم إخاذات أمسكت الماء".

                                                                            والإخاذات: الغدران التي تأخذ ماء السماء، فتمسكه على السارية، وهي المساكات والتناهي، الواحدة: إخاذة ومساكة وتنهية، وهي الإخاذ أيضا، وجمعه أخذ.

                                                                            قال الشيخ، رحمه الله: فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل مثل العالم كمثل المطر، ومثل قلوب الناس فيه، كمثل الأرض في قبول الماء، فشبه من تحمل العلم والحديث، وتفقه فيه بالأرض الطيبة، أصابها المطر فتنبت، وانتفع بها الناس، وشبه من تحمله ولم يتفقه بالأرض الصلبة التي لا تنبت، ولكنها تمسك الماء، فيأخذه الناس، وينتفعون به، وشبه من لم يفهم، ولم يحمل بالقيعان التي لا تنبت، ولا تمسك الماء، فهو الذي لا خير فيه.

                                                                            قال الشيخ الإمام: العلوم الشرعية قسمان: علم الأصول، وعلم الفروع.

                                                                            أما علم الأصول: فهو معرفة الله سبحانه وتعالى بالوحدانية، والصفات، وتصديق الرسل، فعلى كل مكلف معرفته، ولا يسع فيه التقليد لظهور آياته، ووضوح دلائله، قال الله تعالى: ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ، وقال الله تعالى: ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) . [ ص: 290 ] .

                                                                            وأما علم الفروع: فهو علم الفقه، ومعرفة أحكام الدين، فينقسم إلى فرض عين، وفرض كفاية، أما فرض العين، فمثل علم الطهارة والصلاة والصوم، فعلى كل مكلف معرفته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم".

                                                                            وكذلك كل عبادة أوجبها الشرع على كل واحد، فعليه معرفة علمها، مثل علم الزكاة إن كان له مال، وعلم الحج إن وجب عليه.

                                                                            وأما فرض الكفاية، فهو أن يتعلم ما يبلغ به رتبة الاجتهاد، ودرجة الفتيا، فإذا قعد أهل بلد عن تعلمه، عصوا جميعا، وإذا قام واحد منهم بتعلمه، فتعلمه، سقط الفرض عن الآخرين، وعليهم تقليده فيما يعن لهم من الحوادث، قال الله تعالى: ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) .

                                                                            قال سفيان الثوري : أما العلم عندنا الرخص عن الثقات، أما التشديد، فكل إنسان يحسنه.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية