الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
2903 - "إياكم والوصال؛ إنكم لستم في ذلك مثلي؛ إني أبيت يطعمني ربي؛ ويسقيني؛ فاكلفوا من العمل ما تطيقون"؛ (ق)؛ عن أبي هريرة ؛ (صح) .

التالي السابق


(إياكم والوصال) ؛ أي: اجتنبوا تتابع الصوم بغير فطر ؛ فيحرم؛ لأنه يورث الضعف؛ والملل؛ والعجز عن المواظبة على كثير من وظائف العبادات؛ والقيام بحقها؛ قال في المطامح: أخبرني بعض الصوفية أنه واصل ستين يوما؛ قالوا: فإنك تواصل؛ قال: (إنكم لستم في ذلك مثلي) ؛ أي: على صفتي؛ أو منزلتي من ربي؛ (إني أبيت) ؛ في رواية: "أظل"؛ و"البيتوتة"؛ و"الظلول"؛ يعبر بهما عن الزمن كله؛ ويخبر بهما عن الدوام؛ أي: أنا عند ربي دائما أبدا؛ وهي عندية تشريف؛ (يطعمني ربي؛ ويسقيني) ؛ حقيقة؛ بأن يطعمه من طعام الجنة؛ وهو لا يفطر؛ أو مجازا عما يغذيه الله به من المعارف؛ ويفيض على قلبه من لذة مناجاته؛ وقرة عينه بقربه؛ وغذاء القلوب ونعيم الأرواح أعظم أثرا من غذاء الأجسام والأشباح؛ فللأنبياء جهة تجرد؛ وجهة تعلق؛ فبالنظر للأول؛ الذي يفاض عليهم به من المبدإ الأول؛ مصونون عما يلحق غيرهم من البشر من ضعف وجوع وعطش وفتور وسهر؛ وبالنظر للثاني؛ الذي به يفيضون؛ يلحقهم ذلك ظاهرا؛ [ ص: 124 ] لموافقته للجنس؛ لتؤخذ عنهم آداب الشريعة؛ ولولا ذلك لم يمكنهم الأخذ عنهم؛ فظواهرهم بشرية؛ تلحقهم الآفات؛ وبواطنهم ربانية مغتذية بلذة المناجاة؛ فلا منافاة بين ما ذكر هنا؛ وبين ربطه الحجر على بطنه من شدة الجوع؛ لما تقرر أن أحوالهم الظاهرة يساوون فيها الجنس؛ وأحوالهم الباطنة يفارقونهم فيها؛ فظواهرهم للخلق كمرآة؛ يبصرون فيها ما يجب عليهم؛ وبواطنهم في حجب الغيب عند ربهم؛ لا يعتريها عجز البشرية من جوع؛ ولا غيره؛ فهاك هذا الجمع؛ عفوا صفوا؛ فقلما تراه مجموعا في كتاب؛ وقل من تعرض له من الأنجاب؛ (فاكلفوا) ؛ بسكون؛ فضم: احملوا؛ (من العمل ما تطيقون) ؛ بين به وجه حكمة النهي؛ وهو خوف الملل في العبادة؛ والتقصير فيما هو أهم وأرجح من وظائف الدين ؛ من القوة في أمر الله؛ والخضوع في فرائضه؛ والإتيان بحقوقها الظاهرة؛ والباطنة؛ وشدة الجوع تنافيه؛ وتحول بين المكلف؛ وبينه؛ ثم الجمهور على أن الوصال للنبي مباح؛ وقال الإمام: قربة؛ وفي المطلب أن خصوصيته به على كل أمته؛ لا على كل فرد فرد؛ فقد اشتهر عن كثير من الأكابر الوصال؛ وقال في المطامح: أخبرني بعض الصوفية أنه واصل ستين يوما.

(ق؛ عن أبي هريرة ) .




الخدمات العلمية