الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
3662 - "حب الدنيا رأس كل خطيئة" ؛ (هب)؛ عن الحسن ؛ مرسلا؛ (ض) .

التالي السابق


( حب الدنيا رأس كل خطيئة ) ؛ بشاهد التجربة؛ والمشاهدة؛ فإن حبها يدعو إلى كل خطيئة ظاهرة؛ وباطنة؛ سيما خطيئة يتوقف تحصيلها عليها؛ فيسكر عاشقها حبها عن علمه بتلك الخطيئة؛ وقبحها؛ وعن كراهتها واجتنابها؛ وحبها يوقع في الشبهات؛ ثم في المكروه؛ ثم في المحرم؛ وطالما أوقع في الكفر؛ بل جميع الأمم المكذبة لأنبيائهم إنما حملهم على كفرهم حب الدنيا؛ فإن الرسل لما نهوا عن المعاصي التي كانوا يلتمسون بها حب الدنيا؛ حملهم على حبها تكذيبهم؛ فكل خطيئة في العالم أصلها حب الدنيا؛ ولا تنس خطيئة الأبوين؛ فإن سببها حب الخلود في الدنيا؛ ولا تنس خطيئة إبليس فإن سببها حب الرياسة؛ التي هي شر من حب الدنيا؛ وكفر فرعون وهامان وجنودهما؛ فحبها هو الذي عمر النار بأهلها؛ وبغضها هو الذي عمر الجنة بأهلها؛ ومن ثم قيل: الدنيا خمر الشيطان؛ فمن شرب منها لم يفق من سكرتها إلا في عسكر الموتى؛ خاسرا نادما.

(تنبيه) :

قال الغزالي : قد قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: "حب الدنيا رأس كل خطيئة" ؛ ولو لم يحب الناس الدنيا هلك العالم؛ وبطل المعاش؛ إلا أنه علم أن حب الدنيا مهلك؛ وأن ذكر كونه مهلكا لا ينزع الحب من قلب الأكثرين؛ لا الأقلين؛ الذين لا تخرب الدنيا بتركهم؛ فلم يترك النصح؛ وذكر ما في حب الدنيا من الخطر؛ ولم يترك ذكره خوفا من أن يترك نفسه بالشهوات المهلكة التي سلطها الله على عباده؛ ليسوقهم بها إلى جهنم؛ تصديقا لقوله: ولكن حق القول مني ؛ الآية.

(تنبيه) :

أخذ بعضهم من الحديث أنه ينبغي ألا [ ص: 369 ] يؤخذ العلم إلا عن أقل الناس رغبة في الدنيا؛ فإنه أنور قلبا؛ وأقل إشكالات في الدين؛ فكيف يؤخذ علم عمن جمع في قلبه رأس خطيئات الوجود؟ كيف وذلك يمنع من دخول حضرة الله؛ وحضرة رسوله؛ فإن حضرته (تعالى) كلامه؛ وحضرة رسوله كلامه؛ ومن لم يتخلق بأخلاق صاحب الكلام؛ لا يمكنه دخول حضرته؛ ولو في صلاته؛ إذ لا يفهم أحد عن أعلى - صفة - إلا إن صلح لمجالسته؛ فمن زهد في الدنيا كما زهد فيها المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فقد أهل لفهم كلامه؛ ولو رغب فيها كغالب الفقهاء؛ لا يؤهل لذلك؛ ولا يفهم مراد الشارع؛ إلا إن فسر له بكلام مغلق قلق ضيق؛ كذا في إرشاد الطالبين؛ قال: وسمعت نصرانيا يقول لفقيه: كيف يزعم علماؤكم أنهم ورثة نبيهم؛ وهم يرغبون فيما زهد رهباننا؟! قال: كيف؟! قال: لأنهم يأخذون في إقامة شعار دينهم من تدريس وخطابة وإمامة ونحوها عرضا من الدنيا؛ ولو منعوه لعطلوها؛ وجميع الرهبان يقومون بأمر ديننا مجانا؛ فانظر قوة يقين أصحابنا؛ وضعف يقين أصحابكم؛ فلو صدقوا ربهم أن ما عنده خير وأبقى؛ لزهدوا في الدنيا؛ كما زهد فيها نبيهم والرهبان؛ وشكا بعضهم لعارف كثرة خواطر الشيطان؛ فقال: طلق بنته؛ يهجر زيارتك؛ وهي الدنيا؛ تريد أن يقطع رحمه لأجلك؟! قال: هو يأتي لمن لا دنيا عنده؛ قال: إن لم تكن عنده فهو خاطب لها؛ ومن خطب بنت رجل فتح باب مودته؛ وإن لم يدخل بها؛ وكان الربيع بن خيثم يقول: أخرجوا حب الدنيا من قلوبكم؛ يدخلها حب الآخرة.

(هب؛ عن الحسن ) ؛ البصري ؛ (مرسلا) ؛ ثم قال - أعني: البيهقي -: ولا أصل له من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قال الحافظ الزين العراقي : ومراسيل الحسن عندهم شبه الريح؛ ومثل به في شرح الألفية للموضوع من كلام الحكماء؛ وقال: هو من كلام مالك بن دينار ؛ كما رواه ابن أبي الدنيا ؛ أو من كلام عيسى - عليه السلام -؛ كما رواه البيهقي ؛ في الزهد؛ وأبو نعيم ؛ في الحلية؛ وعد ابن الجوزي الحديث في الموضوعات؛ وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن ابن المديني أثنى على مراسيل الحسن ؛ والإسناد إليه حسن؛ وأورده الديلمي من حديث علي ؛ وبيض لسنده.




الخدمات العلمية