الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
3387 - "التائب من الذنب؛ كمن لا ذنب له؛ والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه؛ كالمستهزئ بربه ؛ ومن آذى مسلما؛ كان عليه من الذنوب مثل منابت النخل"؛ (هب)؛ وابن عساكر ؛ عن ابن عباس ؛ (ض) .

التالي السابق


( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) ؛ أخذ منه الغزالي أن التوبة تصح من ذنب دون ذنب؛ إذ لم يقل: "التائب من الذنوب كلها"؛ لكن التوبة عما تماثل في حق الشهوة؛ كمدمن الخمر؛ دون آخر منه غير ممكن؛ نعم؛ تجوز التوبة عن الخمر؛ دون النبيذ؛ لتفاوتهما في السخط؛ وعن الكثير دون القليل؛ لأن لكثرة المعصية تأثيرا في كثرة العقوبة؛ وقد اختلف في حد التوبة؛ قال في المفهم: وأجمع العبارات وأسدها؛ أنها اختيار ترك ذنب سبق؛ حقيقة؛ وتقديرا؛ لأجل الله؛ ( والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه؛ كالمستهزئ بربه ) ؛ ومن ثم قيل: الاستغفار باللسان توبة الكذابين؛ وقالت ربيعة - رحمها الله -: استغفارنا يحوج إلى استغفار؛ قال الغزالي : والاستغفار - الذي هو توبة الكذابين - هو ما يكون بمجرد اللسان؛ ولا جدوى له؛ فإن انضاف له تضرع القلب وابتهاله في سؤال المغفرة عن صدق؛ فهذه حسنة في نفسها؛ تصلح لأن يدفع بها السيئة؛ وعليه تحمل الأخبار الواردة في فضل الاستغفار؛ والحاصل أن النطق بالاستغفار؛ وإن خلا عن حل عقد الإصرار؛ من أوائل الدرجات؛ وليس يخلو عن الفائدة أصلا؛ فلا ينبغي أن يظن أن وجوده كعدمه؛ ذكره بعض الأكابر؛ وقال النووي - رضي الله عنه -: فيه أن الذنوب؛ وإن تكررت مائة مرة؛ بل ألفا؛ وتاب [صاحبها] في كل مرة؛ قبلت توبته؛ أو تاب عن الكل مرة واحدة؛ صحت توبته؛ وفي الأذكار؛ عن الربيع بن خيثم : لا تقل: "أستغفر الله وأتوب إليه"؛ فيكون ذنبا وكذبا إن لم تكن تفعل؛ بل قل: "اللهم اغفر؛ وتب علي"؛ قال النووي - رضي الله عنه -: هذا حسن؛ وأما كراهة "أستغفر الله"؛ وتسميته كذبا؛ [ ص: 277 ] فلا يوافق عليه؛ لأن معنى "أستغفر الله": أطلب مغفرته؛ وليس كذبا؛ ويكفي في رده خبر أبي داود : "من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم؛ وأتوب إليه؛ غفرت ذنوبه؛ وإن كان قد فر من الزحف" ؛ قال ابن حجر : هذا في لفظ "أستغفر الله"؛ أما "أتوب إليه"؛ فهو الذي عنى الربيع أنه كذب؛ وهو كذلك؛ إذا قاله ولم يتب؛ وفي الاستدلال للرد عليه بالخبر نظر؛ لجواز كون المراد ما إذا قالها؛ وفعل شروط التوبة؛ ويحتمل أن الربيع قصد مجموع اللفظين؛ لا خصوص "أستغفر الله"؛ ( ومن آذى مسلما؛ كان عليه من الذنوب مثل منابت النخل ) ؛ أي: في الكثرة المفرطة؛ التي لا تحصى؛ وضرب المثل بمنابت النخل دون غيرها؛ لأن المدينة كانت كثيرة النخل؛ ولا شيء أكثر منه فيها؛ فخاطبهم بما يعرفون.

(هب؛ وابن عساكر ) ؛ في التاريخ؛ وكذا الطبراني والديلمي وابن أبي الدنيا ؛ كلهم؛ (عن ابن عباس ) ؛ قال الذهبي : إسناده مظلم؛ وقال السخاوي : سنده ضعيف؛ وفيه من لا يعرف؛ وقال المنذري : الأشبه وقفه؛ وقال في الفتح: الراجح أن قوله: "والمستغفر..."؛ إلخ؛ موقوف.




الخدمات العلمية