الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
2916 - "إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد ؛ فجاء ذا بعود؛ وجاء ذا بعود؛ حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم؛ وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها؛ تهلكه"؛ (حم طب هب)؛ والضياء ؛ عن سهل بن سعد ؛ (صح) .

التالي السابق


(إياكم ومحقرات الذنوب ) ؛ أي: صغائرها؛ لأن صغارها أسباب تؤدي إلى ارتكاب كبارها؛ كما أن صغار الطاعات أسباب مؤدية إلى تحري كبارها؛ قال الغزالي : صغائر المعاصي يجر بعضها إلى بعض؛ حتى يفوت أصل السعادة؛ بهدم أصل الإيمان عند الخاتمة؛ أهـ؛ وإن الله يعذب من شاء على الصغير؛ ويغفر لمن شاء الكبير؛ ثم إنه ضرب لذلك مثلا؛ زيادة في التوضيح؛ فقال: (فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد؛ فجاء ذا بعود؛ وجاء ذا بعود؛ حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم؛ وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها؛ تهلكه) ؛ يعني أن الصغائر إذا اجتمعت؛ ولم تكفر؛ أهلكت ؛ ولم يذكر الكبائر؛ لندرة وقوعها من الصدر الأول؛ وشدة تحرزهم عنها؛ فأنذرهم مما قد لا يكترثون به؛ وقال الغزالي : تصير الصغيرة [ ص: 128 ] كبيرة بأسباب ؛ منها: الاستصغار؛ والإصرار؛ فإن الذنب كلما استعظمه العبد؛ صغر عند الله؛ وكلما استصغره؛ عظم عند الله؛ لأن استعظامه يصدر عن نفور القلب منه؛ وكراهته له؛ وذلك النفور يمنع من شدة تأثيره به؛ واستصغاره يصدر عن الألفة به؛ وذلك يوجب شدة الأثر في القلب المطلوب تنويره بالطاعة؛ والمحذور تسويده بالخطيئة؛ وقال الحكيم : إذا استخف بالمحقرات؛ دخل التخلط في إيمانه؛ وذهب الوقار؛ وانتقص من كل شيء؛ بمنزلة الشمس؛ ينكسف طرف منها؛ فبقدر ما انكسف - ولو كرأس إبرة - ينقص من شعاعها وإشراقها على أهل الدنيا؛ وخلص النقصان إلى كل شيء في الأرض؛ فكذا نور المعرفة؛ ينقص بالذنب على قدره؛ فيصير قلبه محجوبا عن الله؛ فزوال الدنيا بكليتها أهون من ذلك؛ فلا يزال ينقص ويتراكم نقصانه؛ وهو أبله؛ لا ينتبه لذلك؛ حتى يستوجب الحرمان.

(حم طب هب؛ والضياء ) ؛ المقدسي ؛ كلهم؛ (عن سهل بن سعد ) ؛ قال الهيثمي كالمنذري : رجال أحمد رجال الصحيح؛ ورواه الطبراني في الثلاثة؛ من طريقين؛ ورجال أحدهما رجال الصحيح؛ غير عبد الوهاب بن عبد الحكم ؛ وهو ثقة.




الخدمات العلمية