الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
3342 - "تفتح اليمن؛ فيأتي قوم يبسون؛ فيتحملون بأهليهم؛ ومن أطاعهم؛ والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون؛ وتفتح الشام؛ فيأتي قوم يبسون؛ فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم؛ والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون؛ وتفتح العراق؛ فيأتي قوم يبسون؛ فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم؛ والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون"؛ مالك؛ (ق)؛ عن سفيان بن أبي زهير. [ ص: 260 ]

التالي السابق


[ ص: 260 ] (تفتح)؛ بضم الفوقية؛ مبنيا للمفعول؛ (اليمن)؛ أي: بلادها؛ سمي "يمنا"؛ لأنه يمين الكعبة؛ أو الشمس؛ أو باسم يمن بن قحطان؛ (فيأتي قوم يبسون)؛ بفتح المثناة التحتية؛ أو ضمها؛ مع كسر الموحدة؛ أو ضمها؛ وشد السين؛ من "البس"؛ وهو سوق بلين؛ أي: يسوقون دوابهم إلى المدينة؛ أو معناه: يزينون لأهلهم البلاد التي تفتح؛ ويدعونهم إلى سكناها؛ (فيتحملون)؛ من المدينة إلى اليمن؛ (بأهليهم)؛ أي: زوجاتهم وأبنائهم؛ (ومن أطاعهم)؛ من الناس؛ راحلين إلى اليمن؛ وهو عطف على "أهليهم"؛ والمراد أن قوما ممن يشهد فتحها إذا رأوا سعة عيشها؛ هاجروا إليها؛ ودعوا إلى ذلك غيرهم؛ (والمدينة)؛ أي: والحال أن الإقامة بالمدينة؛ (خير لهم)؛ من اليمن؛ لكونها حرم الرسول؛ وجواره؛ ومهبط الوحي؛ ومنزل البركات؛ (لو كانوا يعلمون)؛ بفضلها؛ وما في الإقامة بها من الفوائد الدينية؛ والعوائد الأخروية؛ حتى يحتقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها؛ ذكره البيضاوي؛ وأيده الطيبي بتنكير "قوم"؛ ووصفهم بكونهم يبسون؛ ثم توكيده بقوله: "لو كانوا يعلمون"؛ لإشعاره بأنهم ممن ركن إلى الحظوظ البهيمية؛ والحطام الفاني؛ وأعرض عن الإقامة في جوار المصطفى - صلى الله عليه وسلم -؛ ولذلك كرر "قوم"؛ ووصفه في كل مرتبة بقوله: "يبسون"؛ استهجانا لذلك الفعل القبيح؛ وجواب "لو"؛ محذوف؛ أي: لو كانوا من العلماء؛ لعلموا أن إقامتهم بالمدينة أولى؛ وقد تجعل للتمني؛ فلا جواب لها؛ (وتفتح الشام)؛ سمي به لكونه؛ عن شمال الكعبة؛ وفتح اليمن قبل الشام؛ كما يلوح به ابتداء الخبر؛ وللاتفاق على أنه لم يفتح شيء من الشام في عهد المصطفى - صلى الله عليه وسلم -؛ فقول مسلم: تفتح الشام؛ ثم اليمن؛ ثم العراق؛ مؤول بأن الثانية للترتيب الإخباري؛ (فيأتي قوم يبسون)؛ بفتح أوله؛ وضمه؛ وكسر الموحدة؛ وضمها؛ (فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم)؛ من الناس؛ راحلين إلى الشام؛ (والمدينة خير لهم)؛ منها؛ لما ذكر؛ (لو كانوا يعلمون)؛ بفضلها؛ فالجواب محذوف؛ كما في السابق واللاحق؛ دل عليه ما قبله؛ وإن كانت "لو"؛ بمعنى "ليت"؛ فلا جواب لها؛ وكيفما كان؛ ففيه تجهيل لمن فارقها لتفويته على نفسه خيرا جسيما؛ (وتفتح العراق؛ فيأتي قوم يبسون؛ فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم)؛ راحلين إلى العراق؛ (والمدينة خير لهم)؛ من العراق؛ (لو كانوا يعلمون)؛ وهذه معجزة ظاهرة للمصطفى - صلى الله عليه وسلم - لإخباره بفتح هذه الأقاليم؛ وأن الناس يتحولون إليها بأهليهم؛ ويفارقون المدينة؛ ولو لازموها لكان خيرا؛ وقد كان ذلك كله على الترتيب المذكور؛ وأما رواية تقديم فتح الشام على اليمن؛ فمعناها أن استيفاء فتح اليمن إنما كان بعد الشام؛ وأفاد فضل المدينة على البلاد المذكورة؛ وهو إجماع؛ وأن بعض البقاع أفضل من بعض.

(مالك)؛ في آخر الموطإ؛ (ق)؛ في الحج؛ (عن سفيان)؛ بتثليث السين؛ (ابن أبي زهير)؛ قال ابن حجر: واسم أبي زهير: القرد؛ بكسر القاف؛ الشنئي؛ بفتح المعجمة؛ وضم النون؛ وبعد النون همزة؛ ويقال: الشنئى النمري؛ بفتح النون؛ صحابي؛ حديثه في البخاري.



الخدمات العلمية