الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 92 ] 90 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام من قوله : لا يقضي الحاكم بين اثنين وهو غضبان .

629 - حدثنا بكار ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا شعبة . وحدثنا ابن مرزوق ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال : كتب أبي إلى ابنه وهو بسجستان : أن لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : لا يحكم أحدكم بين اثنين وهو غضبان .

630 - وحدثنا علي بن معبد ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا [ ص: 93 ] سفيان الثوري ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه أنه كتب إلى ابنه أن رسول الله عليه السلام قال : لا يقض الحاكم بين اثنين وهو غضبان .

631 - وحدثنا محمد بن علي بن زبيد المكي ، حدثنا أحمد بن محمد القواس ، عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن ابن جريج ، عن سفيان أن عبد الملك بن عمير ، حدثه ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه ، عن النبي عليه السلام ... فذكر مثله .

فقال قائل : فكيف يجوز لكم أن ترووا هذا عن رسول الله عليه السلام وأنتم تروون عنه ، فيما كان عليه في وقت حكمه بين الزبير وبين خصمه من الأنصار من الغضب ، لما أحفظه الأنصاري بقوله كان له يومئذ قبل ذلك : أن كان ابن عمتك .

632 - وذكر ما قد حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني [ ص: 94 ] يونس والليث ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، حدثه أن عبد الله بن الزبير ، حدثه عن الزبير بن العوام ، أنه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا مع رسول الله عليه السلام في شراج من الحرة قد كانا يسقيان كلاهما به النخل ، فقال للأنصاري : سرح الماء يمر ، فأبى عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك ، فغضب الأنصاري وقال : يا رسول الله أن كان ابن عمتك ؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : يا زبير ، اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ إلى الجدر .

قال ابن وهب وهو الأصل واستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه السعة له وللأنصاري ، فلما أحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصاري استوعى للزبير حقه في صريح الحكم ، فقال للزبير : ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية ، يزيد أحدهما على صاحبه في قصة الحديث .

[ ص: 95 ]

633 - وكما حدثنا هارون بن كامل ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، حدثني ابن شهاب ، عن عروة أنه حدثه ، عن عبد الله بن الزبير ، حدثه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير [ ص: 96 ] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل ، فقال للأنصاري : سرح الماء يمر ، فأبى عليه فاختصموا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك ؛ فغضب الأنصاري وقال : يا رسول الله ، أن كان ابن عمتك ؟ ! فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : يا زبير اسق واحبس الماء ثم أرجع إلى الجدر ، قال الزبير : والله ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك : فلا وربك لا يؤمنون .

634 - وكما حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا ابن المبارك ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ... ثم ذكر بإسناده مثله .

فكان جوابنا له في ذلك أن الذي رويناه ، عن أبي بكرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على غيره من الحكام للخوف عليهم فيما ينقلهم إليه الغضب من العدل في الحكم إلى خلافه ، والذي في حديث الزبير فمخالف لذلك ؛ لأنه في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في تولي الله تعالى إياه وعصمته له وحفظه عليه أموره بخلاف الناس في مثل ذلك ، فانطلق ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعمله ولم ينطلق ذلك لغيره فنهاه رسول الله عليه السلام عنه كما حدثه أبو بكرة عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية