الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 389 ] 139 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام في حديث أبي هريرة { أن سعد بن عبادة قال له : يا رسول الله ، أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء ؟ قال : نعم }

930 - حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، حدثني مالك ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة { أن سعد بن عبادة قال لرسول الله عليه السلام : أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أأمهله حتى آتي بأربعة شهداء ؟ قال : نعم } .

931 - وحدثنا المزني ، حدثنا الشافعي ، عن مالك ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مثله .

فتأملنا هذا الحديث لنستخرج ما فيه من الفقه ، ووجدنا الواجب على المسلمين تغيير المنكرات وزجر أهلها عنها ، وكان في ترك سعد الرجل الذي وجده مع امرأته على ما وجدهما عليه ترك لهما على [ ص: 390 ] التمادي فيما هما فيه من المعصية ، وقد أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم له ذلك .

فكان ذلك عندنا - والله أعلم - لتقوم الحجة عليهما بما هما فيه حتى تقام عليهما عقوبته ، وفي ذلك ما قد دل على أن مثل هذا حتى تقام عقوبته مطلق ، وفيه الحجة لمن يقول في أربعة شهدوا على رجل وامرأة بالزنى فقالوا : تعمدنا النظر - أنهم في ذلك محمودون ، وأن شهادتهم عليه مقبولة إذ كانوا إنما فعلوا ذلك ليقام حد الله فيه على من يستحقه ، وهكذا كان أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يقولونه في هذا :

كما حدثنا محمد بن العباس بن الربيع ، حدثنا علي بن معبد ، حدثنا محمد ، أخبرنا يعقوب ، عن أبي حنيفة بذلك كما ذكرناه ، ولم يحك في شيء منه خلافا .

وقد أنكر ذلك عليهم منكر ، وأبطل شهادة الشهود فيه لتعمدهم ما تعمدوا النظر إليه مما شهدوا به ، والقول في ذلك عندنا هو القول الأول ، والله أعلم .

وفي هذا الحديث أيضا إطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد تركه زجر ذلك الرجل وامرأته عن ما هما عليه من تلك المعصية حتى يأتي بأربعة شهداء سواه يشهدون عليهما بذلك .

ففي ذلك دليل على أنه لا تجوز شهادته في ذلك إذ كان زوج المرأة الذي يشهد عليها به ، كما يقول مالك والشافعي وسائر المدنيين في ذلك .

وكما روي عن ابن عباس : مما قد حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، حدثنا سعيد بن منصور ، [ ص: 391 ] حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عبيد الله وهو ابن عبد الله ، عن ابن عباس في أربعة شهدوا على امرأة بالزنى أحدهم زوج ، قال : يلاعن الزوج ويجلد الثلاثة ، قال أبو الزناد : وذلك رأي أهل بلدنا .

وكما حدثنا إسماعيل بن إسحاق بن سهل ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس قال : يلاعن الزوج ويجلد الثلاثة ؛ لأن وجود ثلاثة معه يشهدون على ذلك أيسر عليه من وجود أربعة سواه يشهدون على ذلك ، وإنما وسعه الترك الذي رأى منهما ما رأى من المعصية لتقوم الحجة عليهما بمن يأتي به من الشهداء حتى يشهدوا عليهما به ، وإذا كان المطلوبون بذلك أربعة سواه لا ثلاثة يكونون وهم شهداء على ذلك دل ذلك أنه لا يقبل له فيه شهادة ، ولولا أن ذلك كذلك لقال له النبي عليه السلام جوابا لسؤاله إياه : وما حاجتك إلى أربعة يشهدون على ذلك ، اطلب ثلاثة سواك حتى تكون أنت وهم شهداء على ذلك إذ كان أيسر عليه وأقصر مدة من طلب أربعة سواه يشهدون على ذلك ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية