والثاني
nindex.php?page=treesubj&link=28689تصديق المنجمين في تفصيل ما يخبرون عنه من الآثار التي لا يشترك كافة الخلق في دركها لأنهم يقولون ذلك عن جهل ، فإن علم أحكام النجوم كان معجزة لبعض الأنبياء عليهم السلام ، ثم اندرس ذلك العلم فلم يبق إلا ما هو مختلط لا يتميز فيه الصواب عن الخطأ ، فاعتقاد كون الكواكب أسبابا لآثار تحصل بخلق الله تعالى في الأرض ، وفي النبات وفي الحيوان ، ليس قادحا في الدين ، بل هو حق ولكن دعوى العلم بتلك الآثار على التفصيل مع الجهل قادح في الدين ولذلك إذا كان معك ثوب غسلته ، وتريد تجفيفه فقال لك غيرك : أخرج الثوب وابسطه فإن الشمس قد طلعت ، وحمي النهار ، والهواء ، لا يلزمك تكذيبه ، ولا يلزمك الإنكار عليه بحوالته حمي الهواء على طلوع الشمس ، وإذا سألت عن تغيير وجه الإنسان : فقال : قرعتني الشمس : في الطريق فاسود وجهي لم يلزمك تكذيبه بذلك . وقس بهذا سائر الآثار إلا أن الآثار بعضها معلوم ، وبعضها مجهول ، فالمجهول لا يجوز دعوى العلم فيه ، والمعلوم بعضه معلوم للناس كافة كحصول الضياء والحرارة بطلوع الشمس ، وبعضه لبعض الناس كحصول الزكام بشروق القمر فإذا
nindex.php?page=treesubj&link=32435الكواكب ما خلقت عبثا بل فيها حكم كثيرة لا تحصى ؛ ولهذا
nindex.php?page=hadith&LINKID=655747نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء وقرأ قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ثم قال صلى الله عليه وسلم ويل لمن قرأ هذه الآية ثم مسح بها سبلته .
ومعناه أن يقرأ ويترك التأمل ويقتصر من فهم ملكوت السموات على أن يعرف لون السماء ، وضوء الكواكب ، وذلك مما تعرفه البهائم أيضا ، فمن قنع منه بمعرفة ذلك فهو الذي مسح بها سبلته فلله تعالى في ملكوت السموات ، والآفاق ، والأنفس ، والحيوانات ، عجائب يطلب معرفتها المحبون لله تعالى ، فإن من أحب عالما فلا يزال مشغولا بطلب تصانيفه ، ليزداد بمزيد الوقوف على عجائب علمه حبا له ، فكذلك الأمر في
nindex.php?page=treesubj&link=32438عجائب صنع الله تعالى ، فإن العالم كله من تصنيفه بل تصنيف المصنفين من تصنيفه الذي صنفه بواسطة قلوب عباده فإن تعجبت من تصنيف فلا تتعجب من المصنف ، بل من الذي سخر المصنف لتصنيفه بما أنعم عليه من هدايته وتسديده وتعريفه كما إذا رأيت لعب المشعوذ ترقص وتتحرك حركات موزونة متناسبة ، فلا تعجب من اللعب فإنها خرق محركة لا متحركة ولكن تعجب من حذق المشعوذ المحرك لها بروابط دقيقة خفية عن الأبصار فإذا المقصود أن غذاء النبات لا يتم إلا بالماء والهواء والشمس والقمر والكواكب ، ولا يتم ذلك إلا بالأفلاك التي هي مركوزة فيها ، ولا تتم الأفلاك إلا بحركاتها ولا تتم حركاتها إلا بملائكة سماوية يحركونها وكذلك يتمادى ذلك إلى أسباب بعيدة تركنا ذكرها تنبيها بما ذكرناه على ما أهملناه : ولنقتصر على هذا من ذكر أسباب غذاء النبات
.
وَالثَّانِي
nindex.php?page=treesubj&link=28689تَصْدِيقُ الْمُنَجِّمِينَ فِي تَفْصِيلِ مَا يُخْبِرُونَ عَنْهُ مِنَ الْآثَارِ الَّتِي لَا يَشْتَرِكُ كَافَّةُ الْخَلْقِ فِي دَرْكِهَا لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ عَنْ جَهْلٍ ، فَإِنَّ عِلْمَ أَحْكَامِ النُّجُومِ كَانَ مُعْجِزَةً لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، ثُمَّ انْدَرَسَ ذَلِكَ الْعِلْمُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَا هُوَ مُخْتَلِطٌ لَا يَتَمَيَّزُ فِيهِ الصَّوَابُ عَنِ الْخَطَأِ ، فَاعْتِقَادُ كَوْنِ الْكَوَاكِبَ أَسْبَابًا لِآثَارٍ تَحْصُلُ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ ، وَفِي النَّبَاتِ وَفِي الْحَيَوَانِ ، لَيْسَ قَادِحًا فِي الدِّينِ ، بَلْ هُوَ حَقٌّ وَلَكِنَّ دَعْوَى الْعِلْمِ بِتِلْكَ الْآثَارِ عَلَى التَّفْصِيلِ مَعَ الْجَهْلِ قَادِحٌ فِي الدِّينِ وَلِذَلِكَ إِذَا كَانَ مَعَكَ ثَوْبٌ غَسَلْتَهُ ، وَتُرِيدُ تَجْفِيفَهُ فَقَالَ لَكَ غَيْرُكَ : أَخْرِجِ الثَّوْبَ وَابْسُطْهُ فَإِنَّ الشَّمْسَ قَدْ طَلَعَتْ ، وَحَمِيَ النَّهَارُ ، وَالْهَوَاءُ ، لَا يَلْزَمُكَ تَكْذِيبُهُ ، وَلَا يَلْزَمُكَ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ بِحَوَالَتِهِ حَمِيَ الْهَوَاءُ عَلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَإِذَا سَأَلْتَ عَنْ تَغْيِيرِ وَجْهِ الْإِنْسَانِ : فَقَالَ : قَرَعَتْنِي الشَّمْسُ : فِي الطَّرِيقِ فَاسْوَدَّ وَجْهِي لَمْ يَلْزَمْكَ تَكْذِيبُهُ بِذَلِكَ . وَقِسْ بِهَذَا سَائِرَ الْآثَارِ إِلَّا أَنَّ الْآثَارَ بَعْضُهَا مَعْلُومٌ ، وَبَعْضُهَا مَجْهُولٌ ، فَالْمَجْهُولُ لَا يَجُوزُ دَعْوَى الْعِلْمِ فِيهِ ، وَالْمَعْلُومُ بَعْضُهُ مَعْلُومٌ لِلنَّاسِ كَافَّةً كَحُصُولِ الضِّيَاءِ وَالْحَرَارَةِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَبَعْضُهُ لِبَعْضِ النَّاسِ كَحُصُولِ الزُّكَامِ بِشُرُوقِ الْقَمَرِ فَإِذًا
nindex.php?page=treesubj&link=32435الْكَوَاكِبُ مَا خُلِقَتْ عَبَثًا بَلْ فِيهَا حِكَمٌ كَثِيرَةٌ لَا تُحْصَى ؛ وَلِهَذَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=655747نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاءِ وَقَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=191رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ثُمَّ مَسَحَ بِهَا سَبَلَتَهُ .
وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقْرَأَ وَيَتْرُكَ التَّأَمُّلَ وَيَقْتَصِرَ مِنْ فَهْمِ مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ عَلَى أَنْ يَعْرِفَ لَوْنَ السَّمَاءِ ، وَضَوْءَ الْكَوَاكِبِ ، وَذَلِكَ مِمَّا تَعْرِفُهُ الْبَهَائِمُ أَيْضًا ، فَمَنْ قَنِعَ مِنْهُ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَهُوَ الَّذِي مَسَحَ بِهَا سَبَلَتَهُ فَلِلَّهِ تَعَالَى فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ ، وَالْآفَاقِ ، وَالْأَنْفُسِ ، وَالْحَيَوَانَاتِ ، عَجَائِبُ يَطْلُبُ مَعْرِفَتَهَا الْمُحِبُّونَ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ عَالِمًا فَلَا يَزَالُ مَشْغُولًا بِطَلَبِ تَصَانِيفِهِ ، لِيَزْدَادَ بِمَزِيدِ الْوُقُوفِ عَلَى عَجَائِبِ عِلْمِهِ حُبًّا لَهُ ، فَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=32438عَجَائِبِ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ مِنْ تَصْنِيفِهِ بَلْ تَصْنِيفُ الْمُصَنِّفِينَ مِنْ تَصْنِيفِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ بِوَاسِطَةِ قُلُوبِ عِبَادِهِ فَإِنْ تَعَجَّبْتَ مِنْ تَصْنِيفٍ فَلَا تَتَعَجَّبْ مِنَ الْمُصَنِّفِ ، بَلْ مَنِ الَّذِي سَخَّرَ الْمُصَنِّفَ لِتَصْنِيفِهِ بِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنْ هِدَايَتِهِ وَتَسْدِيدِهِ وَتَعْرِيفِهِ كَمَا إِذَا رَأَيْتَ لُعَبَ الْمُشَعْوِذِ تَرْقُصُ وَتَتَحَرَّكُ حَرَكَاتٍ مَوْزُونَةً مُتَنَاسِبَةً ، فَلَا تَعْجَبْ مِنَ اللُّعَبِ فَإِنَّهَا خِرَقٌ مُحَرَّكَةٌ لَا مُتَحَرِّكَةٌ وَلَكِنْ تَعْجَبُ مِنْ حَذَقِ الْمُشَعْوِذِ الْمُحَرِّكَ لَهَا بِرَوَابِطَ دَقِيقَةٍ خَفِيَّةٍ عَنِ الْأَبْصَارِ فَإِذًا الْمَقْصُودُ أَنَّ غِذَاءَ النَّبَاتِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْمَاءِ وَالْهَوَاءِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِلَّا بِالْأَفْلَاكِ الَّتِي هِيَ مَرْكُوزَةٌ فِيهَا ، وَلَا تَتِمُّ الْأَفْلَاكُ إِلَّا بِحَرَكَاتِهَا وَلَا تَتِمُّ حَرَكَاتُهَا إِلَّا بِمَلَائِكَةٍ سَمَاوِيَّةٍ يُحَرِّكُونَهَا وَكَذَلِكَ يَتَمَادَى ذَلِكَ إِلَى أَسْبَابٍ بَعِيدَةٍ تَرَكْنَا ذِكْرَهَا تَنْبِيهًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى مَا أَهْمَلْنَاهُ : وَلْنَقْتَصِرْ عَلَى هَذَا مِنْ ذِكْرِ أَسْبَابِ غِذَاءِ النَّبَاتِ
.