الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإن قلت فكيف : يتصور أن يكون له بضاعة ولا ، يسكن إليها ، وهو يعلم أن الكسب بغير بضاعة لا يمكن فأقول : بأن يعلم أن الذين يرزقهم الله تعالى بغير بضاعة فيهم كثرة وأن ، الذين كثرت بضاعتهم فسرقت وهلكت فيهم كثرة ، وأن يوطن نفسه على أن الله لا يفعل به إلا ما فيه صلاحه ، فإن أهلك بضاعته فهو خير له ، فلعله لو تركه كان سببا لفساد دينه وقد لطف الله تعالى به وغايته أن يموت جوعا فينبغي أن يعتقد أن الموت جوعا خير له في الآخرة مهما قضى الله تعالى عليه بذلك من غير تقصير من جهته فإذا اعتقد جميع ذلك استوى عنده وجود البضاعة وعدمها ففي الخبر : إن العبد ليهم من الليل بأمر من أمور التجارة مما لو فعله لكان فيه هلاكه ، فينظر الله تعالى إليه من فوق عرشه فيصرفه عنه ، فيصبح كئيبا حزينا يتطير بجاره وابن عمه من سبقني من دهاني وما هي إلا رحمة رحمه الله بها ولذلك قال عمر رضي الله عنه لا أبالي أصبحت غنيا أو فقيرا فإني لا أدري أيهما خير لي .

التالي السابق


(فإن قلت: كيف يتصور أن يكون له بضاعة، وهو لا يسكن إليها، وهو يعلم أن الكسب بغير بضاعة لا يمكن) ؟ والجواب عن ذلك سهل؛ لأنا نقول: السكون على قسمين؛ سكون بالظاهر، وسكون بالباطن، فالذي يخرج عن التوكل هو سكون أنس بباطن قلبه، مشاهد ربه، مفوض له أمره، معتمد عليه، فلا يخرج به عن التوكل، وقد قرره المصنف فقال: (فأقول: بأن يعلم أن الذين يرزقهم الله تعالى بغير) ، وفي نسخة: من غير (بضاعة فيهم كثرة، وإن الذين كثرت بضاعتهم فسرقت وهلكت فيهم كثرة، وأن يوطن نفسه على أن الله لا يفعل به إلا ما فيه صلاحه، فإن أهلك بضاعته فهو خير له، فلعله لو تركه كان سببا لفساد دينه) ، فكم من شخص فسد حاله ودينه بسبب ماله وافتتانه به، (وقد لطف الله به) ، وهذا يرجع إلى الإيمان بسعة حكمة الله تعالى، وهو واجب (وغايته أن يموت جوعا فينبغي أن يعتقد) في قلبه (أن الموت جوعا خير له في الآخرة مهما قضى الله عليه بذلك) وقدره في الأزل (من غير تقصير من جهته) ، وهذا يرجع إلى الإيمان بالقدر خيره وشره، وحلوه ومره، وهو أيضا واجب (فإن اعتقد جميع ذلك استوى عنده وجود البضاعة وعدمها) فصح توكله بناء على ما تقدم أن بعضهم قال: التوكل هو استواء الأمرين (ففي الخبر: إن العبد ليهم من الليل بأمر من أمور) الدنيا من (التجارة) وغيرها (مما لو فعله لكان فيه هلاكه، فينظر الله تعالى إليه من فوق عرشه فيصرفه عنه، فيصبح كئيبا حزينا فيظن) ، وفي نسخة: يتطير (بجاره وابن عمه من سبقني من دهاني؟ وما هي إلا رحمة رحمه الله بها) هكذا في القوت .

قال العراقي: رواه أبو نعيم في الحلية من حديث ابن عباس بسند ضعيف جدا نحوه، إلا أنه قال: "إن العبد ليشرف على حاجة من حاجات الدنيا" الحديث بنحوه. انتهى .

قلت: لفظ الحلية: إن الرجل ليشرف في التجارة والإمارة، فيطلع الله عز وجل إليه من فوق سبع سماوات فيقول: اصرفوا [ ص: 486 ] هذا من عبدي، فإني إن قيضته له أدخلته النار، فيصبح قيظان بجيرانه، من سبقني، هكذا رواه من حديث ابن عباس، وقد رواه أيضا عن ابن مسعود موقوفا عليه، وروى الطبراني من حديث ابن عباس: "إن الرجل ليطلب الحاجة فيزويها الله عنه لما هو خير له، فيتهم الناس ظالما لهم فيقول: من سبقني (ولذلك قال عمر -رضي الله عنه- لا أبالي أصبحت غنيا أو فقيرا، فإني لا أدري أيهما خير لي) فهذا إشارة إلى أن العبد على كل حال عاجز جاهل، لا يدري بواطن أحواله، والرب عالم قادر محيط بعمل العبد سره وجهره، مقدر للأشياء، خبير بخفايا الغيوب، مطلع على حقائق الأحوال، وقد روي نحو هذا القول عن عبد الله بن مسعود، رواه الطبراني من طريق علي بن نديمة، عن قيس بن جعفر عنه قال: ألا حبذا المكروهان: الموت، والفقر، وما أبالي بأيهما ابتليت، إن كان الغنى إن فيه للعطف، وإن كان الفقر إن فيه للصبر، وقد رواه أبو نعيم في الحلية من طريقه .




الخدمات العلمية