الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإن قلت : كيف أفرح وأرى جماعة ممن زادت معصيتهم على معصيتي ولم يصابوا بما أصبت به حتى الكفار ؟ فاعلم أن الكافر قد خبئ له ما هو أكثر ، وإنما أمهل حتى يستكثر من الإثم ، ويطول عليه العقاب ، كما قال تعالى : إنما نملي لهم ليزدادوا إثما وأما المعاصي فمن أين تعلم أن في العالم من هو أعصى منه ، ورب خاطر بسوء أدب في حق الله تعالى وفي صفاته أعظم وأطم من شرب الخمر والزنا وسائر المعاصي بالجوارح ؛ ولذلك قال تعالى في مثله : وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ، فمن أين تعلم أن غيرك أعصى منك ؟! ثم لعله قد أخرت عقوبته إلى الآخرة ، وعجلت عقوبتك في الدنيا ، فلم لا تشكر الله تعالى على ذلك ، وهذا هو الوجه الثالث في الشكر وهو أنه ما من عقوبة إلا وكان يتصور أن تؤخر إلى الآخرة ومصائب الدنيا يتسلى عنها بأسباب أخر تهون المصيبة فيخف وقعها : ومصيبة الآخرة تدوم ، وإن لم تدم فلا سبيل إلى تخفيفها بالتسلي إذ أسباب التسلي مقطوعة بالكلية في الآخرة عن المعذبين ومن عجلت عقوبته في الدنيا فلا يعاقب ثانيا إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن العبد إذا أذنب ذنبا فأصابته شدة أو بلاء في الدنيا فالله أكرم من أن يعذبه ثانيا .

التالي السابق


(فإن قلت: كيف أفرح وأرى جماعة ممن زادت معصيتهم على معصيتي ولم يصابوا بما أصبت به حتى الكفار؟ فاعلم أن الكافر قد خبئ له) من العذاب (أكثر، وإنما أمهل) وترك (حتى يستكثر من الإثم، ويطول عليه العقاب، كما قال تعالى: إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ) وقال تعالى: وأملي لهم إن كيدي متين . (وأما العاصي فمن أين يعلم أن في العالم من هو أعصى منه، ورب خاطر) يخطر (بسوء أدب في حق الله تعالى وفي صفاته) ما هو (أعظم وأطم من شرب الخمر والزنا وسائر المعاصي بالجوارح؛ ولذلك قال تعالى في مثله: وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ، فمن أين تعلم أن غيرك أعصى منك؟! ثم لعله قد أخرت عقوبته إلى الآخرة، وعجلت عقوبتك في الدنيا، فلم لا تشكر الله تعالى على ذلك، وهكذا هو الوجه الثالث في الشكر) على المصيبة من الوجوه الخمسة (وهو أنه ما من عقوبة إلا وكان يتصور أن تؤخر إلى الآخرة) فيعظم عذابها .

(ومصائب الدنيا يتسلى عنها بأسباب أخر تهون المصيبة فيخف وقعها) أي: أثرها (ومصيبة الآخرة تدوم، وإن لم تدم فلا سبيل إلى تخفيضها بالتسلي) عنها بأسباب أخر (إذ أسباب التسلي مقطوعة بالكلية في الآخرة عن المعذبين) لانقطاع الأحساب والأنساب (ومن عجلت عقوبته في الدنيا فلا يعاقب ثانيا) إذ الجمع بين العقوبتين مما يخالف الكرم (إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا أذنب ذنبا فأصابته شدة أو بلاء في الدنيا فالله أكرم من أن يعذبه ثانيا) . قال العراقي: رواه الترمذي وابن ماجه من حديث علي: من أصاب في الدنيا ذنبا عوقب به فالله أعدل من أن يثني عقوبته على عبده. الحديث لفظ ابن ماجه، وقال الترمذي: من أصاب حدا فعجل عقوبته في الدنيا، وقال: حسن. وللشيخين من حديث عبادة بن الصامت: ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له.. الحديث اهـ. قلت: وتمام الحديث عند الترمذي: ومن أصاب حدا فستره الله عليه فالله أكرم من أن يعود في شيء [ ص: 140 ] قد عفا عنه، وقال: حسن غريب. ورواه كذلك ابن أبي الدنيا في حسن الظن، والحاكم والبيهقي. وقد روي ذلك أيضا من حديث خزيمة بن ثابت، ولفظ: من أصاب منكم ذنبا مما نهى الله تعالى عنه فأقيم عليه حده فهو كفارة ذنبه، رواه الحسن بن سفيان وأبو نعيم، وفي لفظه: من أصاب ذنبا فأقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارته، رواه أحمد والدارمي وابن جرير والدارقطني والطبراني وأبو نعيم والبيهقي والضياء. ورواه ابن النجار بلفظ: من أذنب ذنبا، ورواه أحمد وابن جرير وصححه من حديث علي بلفظ: من أذنب في الدنيا ذنبا فعوقب به فالله أعدل من أن يثني عقوبته على عبده، الحديث .




الخدمات العلمية