الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بيان مظان الحاجة إلى الصبر وأن العبد لا يستغني عنه في حال من الأحوال .

اعلم أن جميع ما يلقى العبد في هذه الحياة لا يخلو من نوعين أحدهما هو الذي يوافق هواه ، والآخر هو الذي لا يوافقه بل يكرهه ، وهو محتاج إلى الصبر في كل واحد منهما ، وهو في جميع الأحوال لا يخلو عن أحد هذين النوعين أو عن كليهما ، فهو إذا لا يستغني قط عن الصبر .

النوع الأول ما يوافق الهوى وهو الصحة والسلامة والمال والجاه وكثرة العشيرة واتساع الأسباب وكثرة الأتباع والأنصار وجميع ملاذ الدنيا وما أحوج العبد إلى الصبر على هذه الأمور ، فإنه إن لم يضبط نفسه عن الاسترسال والركون إليها والانهماك في ملاذها المباحة منها أخرجه ذلك إلى البطر والطغيان ، فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى حتى قال بعض العارفين : البلاء يصبر عليه المؤمن ، والعوافي لا يصبر عليها إلا صديق وقال سهل : الصبر على العافية أشد من الصبر على البلاء ولما فتحت أبواب الدنيا على الصحابة رضي الله عنهم قالوا : ابتلينا بفتنة الضراء فصبرنا ، وابتلينا بفتنة السراء فلم نصبر ولذلك حذر الله عباده من فتنة المال والزوج والولد فقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله وقال عز وجل : إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وقال صلى الله عليه وسلم : الولد مبخلة مجبنة محزنة .

التالي السابق


(بيان مظان الحاجة إلى استعمال الصبر) في الطاعات وغيرها ( وأن العبد لا يستغني عنه في حال من الأحوال اعلم) وفقك الله تعالى (أن جميع ما يلقاه العبد في هذه الحياة) الدنيا (لا يخلو من نوعين أحدهما هو الذي يوافق هواه، والآخر هو الذي لا يوافقه بل يكرهه، وهو محتاج إلى الصبر في كل واحد منهما، وهو في جميع الأحوال لا يخلو عن أحد هذين النوعين أو عن كليهما، فهو إذا لا يستغني قط عن الصبر: النوع الأول ما يوافق الهوى وهو الصحة) في البدن (والسلامة) من الآفات (والمال والجاه وكثرة العشيرة) من بنيه وبني عمه (واتساع الأسباب) المحصلة لذلك، (وكثرة الأتباع) من المماليك والأجراء (والأنصار) والأعوان، (وجميع ملاذ الدنيا وما أحوج العبد إلى الصبر على هذه الأمور، فإنه إن لم يضبط نفسه عن الاسترسال والركون إليها والانهماك في ملاذها المبلحة أخرجه ذلك إلى البطر والطغيان، فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) كما قال الله تعالى في كتابه العزيز ردعا لمن كفر بنعمة الله لطغيانه: كلا إن الإنسان ليطغى أي: يتجاوز عن الحدود أن رآه استغنى أي: رأى نفسه واستغنى مفعول الثاني لأنه بمعنى علم، ولذا جاز أن يكون فاعله ومفعوله ضميرين لواحد قاله البيضاوي (حتى قال بعض العارفين: البلاء يصبر عليه المؤمن، والعوافي لا يصبر عليها إلا صديق) ، ولفظ القوت: ويقال إن البلاء والفقر يصبر عليهما المؤمن، والباقي سواء (وقال سهل: الصبر على العافية أشد من الصبر على البلاء) ، ولفظ القوت: وكان سهل يقول: الصبر على العوافي أشد من الصبر على [ ص: 21 ] البلاء .

(و) كذلك (لما فتحت أموال الدنيا) من سائر البلاد (على الصحابة رضي الله عنهم) ، وذلك في خلافة عمر رضي الله عنه، فنالوا من العيش واتسعوا (قالوا: ابتلينا بفتنة الضراء فصبرنا، وابتلينا بفتنة السراء فلم نصبر) فعظموا الاختبار بالسراء، وهو ما سر على الاختبار بالضراء، وهو ما ضر، قال الطبراني : حدثنا عبد الرحمن بن جابر الطائي حدثنا بشر بن شبيب بن أبي حمزة عن أبيه عن الزهري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: قال عبد الرحمن بن عوف: "بلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسراء فلم نصبر".

(وكذلك حذر الله عباده من فتنة المال والزوج والولد فقال: يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ) لأن فيها ما يسر فيشغل عن ذكر الله تعالى (وقال عز وجل: إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ) لأن في الأزواج والأولاد ما يفرح به، فيوافق فيهم الهوى، ويخالف بودهم المولى، فصاروا أعداء في العقبى لما يؤول إليه من شأنهم، (وقال صلى الله عليه وسلم: الولد مبخلة مجبنة محزنة) رواه أبو يعلى الموصلي من حديث أبي سعيد بلفظ: "الولد ثمر القلب، وإنه مبخلة مجبنة محزنة"، وقد تقدم، ورواه أحمد وابن سعد والطبراني من حديث يعلى بن مرة العامري: الولد مبخلة مجبنة، وإن آخر وطأة وطئها أفوج، وتقدم أيضا .




الخدمات العلمية