الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القسم الثالث : ما لا يدخل تحت حصر الاختيار أوله وآخره كالمصائب مثل موت الأعزة ، وهلاك الأموال ، وزوال الصحة بالمرض ، وعمى العين ، وفساد الأعضاء ، وبالجملة سائر أنواع البلاء ، فالصبر على ذلك من أعلى مقامات الصبر قال ابن عباس رضي الله عنهما : الصبر في القرآن على ثلاثة أوجه صبر على أداء فرائض الله تعالى فله ثلاثمائة درجة وصبر عن محارم الله تعالى فله ستمائة درجة ، وصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى فله تسعمائة درجة .

التالي السابق


(القسم الثالث: ما لا يدخل تحت حصر الاختيار أوله وآخره كالمصائب مثل موت الأعزة، وهلاك الأموال، وزوال الصحة بالمرض، وعمى العين، وفساد الأعضاء، وبالجملة سائر أنواع البلاء، فالصبر على ذلك من أعلى مقامات الصبر) وهو ثاني مقام من مقامات الرضا المقرب التام لقوله صلى الله عليه وسلم: "نحن معاشر الأنبياء أكثر الناس بلاء ثم الأمثل فالأمثل"، ولقوله سبحانه وتعالى في المجمل: ولربك فاصبر ثم فسره في الكلام المتيسر فقال: واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا .

(قال ابن عباس رضي الله عنهما: الصبر في القرآن على ثلاثة أوجه) باعتبار متعلقه (صبر على أداء فرائض الله فله ثلاثمائة درجة) أي: منزلة عالية في الجنة (وصبر عن محارم الله فله ستمائة درجة، وصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى فله تسعمائة درجة) ولفظ القوت: "وروينا عن ابن عباس : الصبر في القرآن على ثلاثة أوجه، صبر على أداء فرائض الله، وصبر على محارم الله، وصبر فى المصيبة عند الصدمة الأولى، فمن صبر على أداء فرائض الله فله ثلاثمائة درجة، ومن صبر عن محارم الله فله ستمائة درجة، ومن صبر في المصيبة عند الصدمة الأولى فله تسعمائة درجة" اهـ .

قلت: وهذا قد روي مرفوعا من حديث علي رضي الله عنه، رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصبر، وأبو الشيخ في كتاب الثواب، والديلمي في مسند الفردوس، كلهم من طريق عبد الله بن محمد بن زيرك عن عمر بن علي عن عمر بن يونس اليماني عن مدرك بن محمد السدوسي عن رجل يقال له علي عن علي رضي الله عنه رفعه: "الصبر ثلاثة فصبر على المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة، ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرض إلى منتهى الأرضين، ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة، ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش مرتين".

وهذا صريح في أن الصبر على المقدور أدنى المراتب ثم الصبر على المأمور ثم عن المحظور، وله وجه، وذلك لأن الصبر على مجرد القدر يأتي به البر والفاجر والمؤمن والكافر، فلا بد لكل منهم الصبر عليه اختيارا أو اضطرارا، والصبر على الأوامر فوقه ودون الصبر عن المحرمات، فإن الأوامر أكثرها محبوب للنفس لما فيها من العدل والإحسان والإخلاص والبر، والصبر على المخالفات صبر على مخالفة هوى النفس، وحملها على خير طبعها، وهو أشق شيء وأصعبه، والصبر عن المعاصي التي أكثرها محاب للنفوس فقد ترك المحبوب العاجل في هذه الدار لمحبوب آجل في دار أخرى، ولا يصبر على ذلك إلا الصديقون، وهذه الثلاثة محاب النفوس الذكية الفاضلة، قالوا والناس من باب جهة النفس عن لذتها وحميتها مع قيام داعي التناول، وقوله خطب مهول، ولهذا [ ص: 26 ] كان باب قربان النهي مسدودا، وباب الأمر مقيدا بالمستطاع، ومن ثم كانت عامة العقوبات على المنهيات. وأما ترك المأمور فلم يرتب الله عليه حدا معينا، وأعظم المأمورات الصلاة، وقد اختلف هل فيه حد أم لا، وبهذا استبان سر الترتيب الواقع في حديث علي رضي الله عنه .




الخدمات العلمية