الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكذلك في الأسباب الدافعة عن المال ، فلا ينقص التوكل بإغلاق باب البيت عند الخروج ، ولا بأن يعقل البعير لأن هذه أسباب عرفت بسنة الله تعالى ، إما قطعا ، وإما ظنا ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : للأعرابي لما أن أهمل البعير ، وقال : توكلت على الله : اعقلها وتوكل وقال تعالى خذوا حذركم ، وقال في كيفية صلاة الخوف : وليأخذوا أسلحتهم ، وقال سبحانه وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل وقال تعالى لموسى عليه السلام فأسر بعبادي ليلا والتحصن بالليل اختفاء عن أعين الأعداء ، ونوع تسبب ، واختفاء رسول الله : صلى الله عليه وسلم : في الغار ، اختفاء عن أعين الأعداء ؛ دفعا للضرر وأخذ السلاح في الصلاة فليس دافعا قطعا كقتل الحية والعقرب ، فإنه دافع قطعا ، ولكن أخذ السلاح سبب مظنون ، وقد بينا أن المظنون كالمقطوع ، وإنما الموهوم هو الذي يقتضي التوكل تركه .

فإن قلت : فقد حكي عن جماعة أن منهم من وضع الأسد يده على كتفه ولم يتحرك فأقول ، وقد حكي عن جماعة أنهم ركبوا الأسد وسخروه فلا ينبغي أن يغرك ذلك المقام فإنه وإن كان صحيحا في نفسه فلا يصلح للاقتداء .

بطريق التعلم من الغير ، بل ذلك مقام رفيع في الكرامات وليس ذلك شرطا في التوكل .

التالي السابق


(وكذلك في الأسباب الدافعة عن المال، فلا ينقص التوكل بإغلاق باب البيت عند الخروج، ولا بأن يعقل البعير) بالعقال؛ (لأن هذه أسباب عرفت بسنة الله تعالى، إما قطعا، وإما ظنا، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي لما أهمل البعير) ، أي: تركه سائبا (وقال: توكلت على الله: اعقلها وتوكل) .

قال العراقي: رواه الترمذي من حديث أنس، قال يحيى القطان: منكر، ورواه ابن خزيمة في التوكل، والطبراني من حديث عمرو بن أمية الضمري بإسناد جيد بلفظ قيدها اهـ .

قلت: ورواه الترمذي في الزهد وفي العلل، وابن أبي الدنيا في التوكل، والبيهقي في الشعب، وأبو نعيم في الحلية، والقشيري، وابن عساكر، والضياء، كلهم من طريق المغيرة بن أبي قرة السدوسي: سمعت أنسا يقول: قال رجل: يا رسول الله، أعقلها وأتوكل وأطلقها وأتوكل؟ قال: اعقلها وتوكل" يعني الناقة، وقال الترمذي: قال عمرو بن علي: يعني الفلاس شيخه، قال يحيى بن سعيد القطان: إنه منكر، ثم قال الترمذي: وهو غريب لا نعرفه من حديث أنس إلا من هذا الوجه، وإنما أنكره القطان من حديث أنس، وقد روي عن عمرو بن أمية الضمري، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه، يشير إلى ما أخرجه ابن حبان في صحيحه، وأبو نعيم من حديث جعفر بن عمرو بن أمية، عن أبيه قال: قال رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "أرسل ناقتي وأتوكل؟ قال: اعقلها وتوكل"، ورواه الطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب، وجعلا في روايتهما القائل عمرا نفسه، وكذا هو عند أبي القاسم بن بشر في أماليه، وأخرجه البيهقي كذلك من حديث جعفر، لكن مرسلا قال: وقال عمرو بن أمية: يا رسول الله، وذكره، وهو عند الطبراني من حديث أبي هريرة بلفظ: "قيدها وتوكل"، وعند الخطيب في رواية مالك، وابن عساكر من حديث ابن عمر قال: قلت: يا رسول الله، فذكره مثله، وفيه محمد بن عبد الرحمن بن ريسان متروك وفي رواية للبيهقي من حديث عمرو بن أمية قيد وتوكل .

وقال القشيري في الرسالة: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد البصري، حدثنا غيلان بن عبد الصمد، حدثنا إسماعيل بن مسعود الجحدري، حدثنا خالد بن يحيى، حدثني عمي المغيرة بن أبي قرة، عن أنس بن مالك قال: جاء رجل عن ناقة له فقال: "يا رسول الله، أدعها وأتوكل؟ فقال: اعقلها وتوكل".

(وقال تعالى) يا أيها الذين آمنوا ( خذوا حذركم ) ، أي: أسلحتكم (وقال في كيفية صلاة الخوف: وليأخذوا أسلحتهم ، وقال) في جهاد الكفار ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) ترهبون به عدو الله وقال تعالى: فـأسر بأهلك بقطع من الليل (وقال تعالى لموسى -عليه السلام- فأسر بعبادي ليلا والتحصن بالليل اختفاء عن أعين الأعداء، ونوع تسبب، واختفاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الغار) ، أي: غار ثور، عند إرادة الهجرة (اختفاء عن أعين الأعداء؛ دفعا للضرر) العارض منهم، ومثل هذا في كتاب الله، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- لا ينحصر، ولو فرضنا وليا من أولياء الله اتسع قلبه بهذه الحالة حتى قوي قلبه على الدخول في الأسباب مع ملاحظتها كان ذلك كمالا في ولايته؛ لأنها رتب الأنبياء عليهم السلام، ومن لم ير الأسباب رأسا، فقد جهل ما بين السماء والأرض إلا إذا كان ذاهلا عنها لاستغراقه بمسبب الأسباب، فهذه عند العلماء بالله حالة المقربين من الصديقين (وأخذ [ ص: 508 ] السلاح في الصلاة ليس دافعا قطعا كقتل الحية والعقرب، فإنه دافع قطعا، ولكن أخذ السلاح سبب مظنون، وقد بينا) سابقا (أن المظنون كالمقطوع، وإنما الموهوم هو الذي يقتضي التوكل تركه، فإن قلت: فقد حكي عن جماعة) من الأولياء (أن منهم من وضع الأسد يده على كتفه ولم يتحرك) باطنه ولم يداخله الرعب أصلا (فأقول، وقد حكي عن جماعة منهم أنهم ركبوا الأسد وسخروه) ، كما وقع ذلك لإبراهيم بن أدهم وغيره، كما في الحلية، ووقع مثل ذلك لإبراهيم الخواص؛ إذ كان يقصد الفياض المسبعة، وجبل الحيات، والأودية الغامضة الموحشة يبيت فيها، وعالج شأن جماعة من الجن في البراري والقفار والكهوف والغيران، وكلموه في قصص كثيرة، كما في القوت، (فلا ينبغي أن يغرك ذلك المقام فإنه وإن كان صحيحا في نفسه فلا يصلح للاقتداء بطريق التعلم من الغير، بل ذلك مقام رفيع في الكرامات) ، ومن فضائل بعض مقامات المتوكلين، ومقتضى أحوال بعض الموقنين، (وليس ذلك) كله (شرطا في التوكل) ولا من فرضه، وإنما فرض التوكل عقد العقد، والاستسلام بحسن التفويض للرب، ونفي عوارض الآفات الداخلة على المتوكل من السكوت إلى الأسباب، والركون إلى الخلق في المعتاد .




الخدمات العلمية