الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكما عرفت أن في كل طرفة عين نعما كثيرة ، فاعلم أن في كل نفس ينبسط وينقبض نعمتين ؛ إذ بانبساطه يخرج الدخان المحترق من القلب ، ولو لم يخرج لهلك ، وبانقباضه يجمع روح الهواء إلى القلب ، ولو سد متنفسه لاحترق قلبه بانقطاع روح الهواء وبرودته عنه وهلك . بل اليوم والليلة أربع وعشرون ساعة وفي كل ساعة قريب من ألف نفس ، وكل نفس قريب من عشر لحظات ، فعليك في كل لحظة آلاف آلاف نعمة في كل جزء من أجزاء بدنك ، بل في كل جزء من أجزاء العالم ، فانظر هل يتصور إحصاء ذلك أم لا ؟ ولما انكشف لموسى عليه السلام حقيقة قوله تعالى : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ، قال : إلهي كيف أشكرك ولك في كل شعرة من جسدي نعمتان أن لينت أصلها ، وأن طمست رأسها وكذا ورد في الأثر أن من لم يعرف نعم الله في مطعمه ومشربه فقد قل علمه وحضر عذابه

وجميع ما ذكرناه يرجع إلى المطعم والمشرب فاعتبر ما سواه من النعم به ، فإن البصير لا تقع عينه في العالم على شيء ، ولا يلم خاطره بموجود ، إلا ويتحقق أن لله فيه نعمة عليه . فلنترك الاستقصاء والتفصيل فإنه طمع في غير مطمع

.

التالي السابق


(وكما عرفت أن في كل طرفة عين نعما كثيرة، فاعلم أن في كل نفس ينبسط وينقبض نعمتين؛ إذ بانبساطه يخرج الدخان المحترق من القلب، ولو لم يخرج لهلك، وبانقباضه يجمع روح الهواء إلى القلب، ولو سد متنفسه لاحترق قلبه بانقطاع روح الهواء وبرودته عنه وهلك. بل اليوم والليلة أربع وعشرون ساعة) لكل منهما اثنتا عشرة ساعة (وفي كل ساعة قريب من ألف نفس، وكل نفس قريب من عشر لحظات، فعليك في كل لحظة آلاف آلاف نعمة في كل جزء من أجزاء بدنك، بل في كل جزء من أجزاء العالم، فانظر هل يتصور إحصاء ذلك أم لا؟) ولفظ القوت: ويقال إن تحت كل شعرة في جسم العبد نعمة، وفي جسم الإنسان ثلاثمائة [ ص: 129 ] وستون مفصلا، وكذلك العظام، وفي كل طرفة نعمتان، وفي كل نفس نعمتان، وفي كل دقيقة تأتي عليه من عمره نعم لا تحصى، والدقيقة جزء من اثني عشر جزءا من شعيرة، والشعيرة جزء من اثني عشر جزءا من ساعة، والأنفاس أربعة وعشرون ألف نفس في اليوم والليلة .

(ولما انكشف لموسى عليه السلام حقيقة قوله تعالى: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ، قال: إلهي كيف أشكرك ولك في كل شعرة من جسدي نعمتان أن لينت أصلها، وأن طمست رأسها) نقله صاحب القوت. (وكذلك ورد في الأثر من لم يعرف نعم الله) عليه (إلا في مطعمه ومشربه فقد قل علمه وحضر عذابه) نقله صاحب القوت. وهو في الحلية من قول أبي الدرداء رواه من طريق أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يونس بن عبيد عن الحسن قال أبو الدرداء: من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل علمه وحضر عذابه، ومن لم يكن غنيا في الدنيا فلا دنيا له. قال صاحب القوت: ويقال إن في باطن الجسم من النعم سبعة أضعاف النعم الذي في ظاهره، وأن في القلب من النعم أضعاف ما في الجسم كله من النعم، وأن نعم الإيمان بالله والعلم واليقين أضعاف نعم الأجسام والقلوب، فهذه كلها نعم مضاعفة على نعم مترادفة لا يحصيها إلا من أنعم بها، ولا يعلمها إلا من خلقها، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، سوى نعم المطعم والمشرب والملبس والمنكح من دخول ذلك وخروجه، وكثرة تكرره وتزايده، بأن أدخل مهناه وأخرج أذاه وبقي في الجسم قواه، وبأن طيب مدخله ويسر مخرجه وبقي منفعته، وما أحال من صورته وغير من صفته للتزهيد والذم والاعتبار والتذكرة، وتلك أيضا نعم .

(وجميع ما ذكرناه يرجع إلى المطعم والمشرب فاعتبر ما سواه من النعم به، فإن البصير لا تقع عينه في العالم على شيء، ولا يلم خاطره بموجود، إلا ويتحقق أن لله فيه نعمة عليه. فلنترك الاستقصاء والتفصيل فإنه طمع في غير مطمع) وبالله التوفيق .




الخدمات العلمية