الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله ما تغرغرت عين بمائها إلا لم يرهق وجه صاحبها قتر ولا ذلة يوم القيامة ،

فإن سالت دموعه أطفأ الله بأول قطرة منها بحارا من النيران ، ولو أن رجلا بكى في أمة ما عذبت تلك الأمة

وقال أبو سليمان : البكاء من الخوف : والرجاء والطرب من الشوق

وقال كعب الأحبار رضي الله عنه

والذي نفسي بيده لأن أبكي من خشية الله حتى تسيل دموعي على وجنتي أحب إلي من أن أتصدق بجبل من ذهب

وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار

وروي عن حنظلة قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعظنا موعظة رقت لها القلوب ، وذرفت منها العيون : وعرفنا أنفسنا : فرجعت إلى أهلي ، فدنت مني المرأة ، وجرى بيننا من حديث الدنيا فنسيت ما كنا عليه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذنا في الدنيا ، ثم تذكرت ما كنا فيه ، فقلت في نفسي :

قد نافقت ، حيث تحول عني ما كنت فيه من الخوف والرقة ، فخرجت وجعلت أنادي :

نافق حنظلة ، فاستقبلني أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال :

كلا لم ينافق حنظلة ، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول :

نافق حنظلة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا لم ينافق ، حنظلة فقلت : يا رسول الله كنا عندك فوعظتنا موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، وعرفنا أنفسنا فرجعت إلى أهلي فأخذنا في حديث الدنيا ونسيت ما كنا عندك عليه ،

فقال : صلى الله عليه وسلم يا حنظلة لو أنكم كنتم أبدا على تلك الحالة لصافحتكم الملائكة في ، الطريق وعلى ، فراشكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة

.

التالي السابق


(وقال أبو سليمان الداراني) رحمه الله تعالى: (ما تغرغرت عين بمائها إلا لم يرهق وجه صاحبها قتر ولا ذلة يوم القيامة، فإن سالت دموعه أطفأ الله بأول قطرة منها بخارا من النيران، ولو أن رجلا بكى في أمة ما عذبت تلك الأمة) . نقله صاحب القوت أي مثل كان بكاؤه من خشية الله تعالى. (وقال أبو سليمان) رحمه الله تعالى (أيضا: البكاء من الخوف) أي: منشؤه منه لأنه إنما يخاف أن يحل به مكروه أو يفوته محبوب كما تقدم، فمنه يحصل البكاء (والرجاء من الطرب والشوق) لما يؤمله في الاستقبال. (وقال كعب الأحبار) رحمه الله تعالى: (والذي نفسي بيده لأن أبكي من خشية الله حتى تسيل دموعي على وجنتي أحب إلي من أن أتصدق بجبل من ذهب) أخرجه أبو نعيم في الحلية. (وقال عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما: (لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بجبل من ذهب) وفي لفظ: بألف دينار. أخرجه أبو نعيم في الحلية .

(وروي عن) أبي ربعي (حنظلة) بن الربيع بن صيفي بن رباح بن الحارث بن معاوية بن مجاشع التميمي الأسدي، المعروف بالكاتب، أخو رباح بن الربيع، وابن أخي أكثم بن صيفي حكيم العرب، نزل الكوفة، ثم انتقل إلى قرقيسية، له ولأخيه صحبة، قال الواقدي: كتب للنبي صلى الله عليه وسلم مرة كتابا فسمى بذلك الكاتب، وكانت الكتابة في العرب قليلة، وقال ابن البرقي: سمي الكاتب لأنه كتب للنبي صلى الله عليه وسلم الوحي، وتوفي بعد علي، وكان معتزلا للفتنة حتى مات، جاء عنه حديثان روى له مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعظنا موعظة رقت لها القلوب، وذرفت منها العيون) أي: سالت دموعها (وعزفنا أنفسنا) أي: كرهناها (فرجعت إلى أهلي، فدنت مني المرأة، وجرى بيننا من حديث الدنيا فنسيت ما كنت عليه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذنا ما في الدنيا، ثم تذكرت ما كنت فيه، فقلت في نفسي: قد نافقت، حتى تحول عني ما كنت فيه من الخوف والرقة، فخرجت وجعلت أنادي: نافق حنظلة، فاستقبلني أبو بكر الصديق رضي الله عنه فأخبرته الخبر فقال: كلا لم ينافق حنظلة، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: نافق حنظلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا لم ينافق، فقلت: يا رسول الله كنا عندك فوعظتنا موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، وعزفنا أنفسنا فرجعت إلى أهلي فأخذنا في حديث الدنيا ونسيت [ ص: 216 ] ما كان عندك عليه، فقال: يا حنظلة لو أنكم كنتم أبدا على تلك الحالة لصافحتكم الملائكة في الطرق، وعلى فرشكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة) . قال العراقي: رواه مسلم مختصرا اهـ. قلت: ولفظه: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، وقطن بن نسير، واللفظ ليحيى، أخبرنا جعفر بن سليمان عن سعيد بن إياس الجريري عن أبي عثمان النهدي عن حنظلة الأسيدي، قال: وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لقيني أبو بكر رضي الله عنه فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله! ما تقول؟! قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيرا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده أن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة. ثلاث مرات .




الخدمات العلمية