فمن ذا
nindex.php?page=treesubj&link=29556_30481الذي يقدر على تطهير قلبه من خفايا النفاق ، والشرك الخفي ، وإن اعتقد نقاء قلبه عن ذلك فمن أين يأمن مكر الله تعالى بتلبيس حاله عليه ، وإخفاء عيبه ؟! عنه وإن وثق به فمن أين يثق ببقائه على ذلك إلى تمام حسن الخاتمة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة خمسين سنة حتى لا يبقى بينه وبين الجنة إلا شبر .
وفي رواية : إلا قدر فواق ناقة فيسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل النار وقدر فواق الناقة لا يحتمل عملا : بالجوارح إنما هو بمقدار خاطر يختلج في القلب عند الموت فيقتضي خاتمة السوء فكيف يؤمن ذلك ؟! فإذن أقصى غايات المؤمن أن يعتدل خوفه ، ورجاؤه وغلبة الرجاء في غالب الناس ، تكون مستندة للاغترار وقلة المعرفة ؛ ولذلك جمع الله تعالى بينهما في وصف من أثنى عليهم ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16يدعون ربهم خوفا وطمعا وقال عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=90ويدعوننا رغبا ورهبا وأين مثل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه فالخلق الموجودون في هذا الزمان كلهم الأصلح لهم غلبة الخوف بشرط أن لا يخرجهم إلى اليأس وترك العمل ، وقطع الطمع من المغفرة ، فيكون ذلك سببا للتكاسل عن العمل ، وداعيا إلى الانهماك في المعاصي ، فإن ذلك قنوط وليس بخوف ، إنما الخوف هو الذي يحث على العمل ، ويكدر جميع الشهوات ويزعج القلب عن الركون إلى الدنيا : ويدعوه إلى التجافي عن دار الغرور فهو الخوف المحمود دون حديث النفس الذي لا يؤثر في الكف والحث ودون اليأس الموجب للقنوط .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=17335يحيى بن معاذ من عبد الله تعالى بمحض الخوف غرق في بحار الأفكار ومن عبده بمحض الرجاء : تاه في مفازة الاغترار ، ومن عبده بالخوف والرجاء استقام في محجة الأذكار
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17134مكحول الدمشقي من عبد الله بالخوف فهو حروري ، ومن عبده بالرجاء فهو ، مرجئ ، ومن عبده بالمحبة فهو زنديق ومن عبده بالخوف ، والرجاء ، والمحبة فهو موحد
فإذن لا بد من الجمع بين هذه الأمور ، وغلبة الخوف هو الأصلح ، ولكن قبل الإشراف على الموت ، أما عند الموت فالأصلح غلبة الرجاء وحسن الظن لأن الخوف جار مجرى السوط الباعث على العمل وقد انقضى وقت العمل ، فالمشرف على الموت لا يقدر على العمل ثم لا يطيق أسباب الخوف ، فإن ذلك يقطع نياط قلبه ويعين على تعجيل موته .وأما روح الرجاء فإنه يقوي قلبه ، ويحبب إليه ربه ، الذي إليه ، رجاؤه ولا ينبغي أن يفارق أحد الدنيا إلا محبا لله تعالى ليكون محبا للقاء الله تعالى ، فإن من أحب لقاء الله تعالى أحب الله لقاءه .
فَمَنْ ذَا
nindex.php?page=treesubj&link=29556_30481الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى تَطْهِيرِ قَلْبِهِ مِنْ خَفَايَا النِّفَاقِ ، وَالشِّرْكِ الْخَفِيِّ ، وَإِنِ اعْتَقَدَ نَقَاءَ قَلْبِهِ عَنْ ذَلِكَ فَمِنْ أَيْنَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِتَلْبِيسِ حَالِهِ عَلَيْهِ ، وَإِخْفَاءِ عَيْبِهِ ؟! عَنْهُ وَإِنْ وَثِقَ بِهِ فَمِنْ أَيْنَ يَثِقُ بِبَقَائِهِ عَلَى ذَلِكَ إِلَى تَمَامِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَمْسِينَ سَنَةً حَتَّى لَا يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا شِبْرٌ .
وَفِي رِوَايَةٍ : إِلَّا قَدْرَ فَوَاقِ نَاقَةٍ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَقَدْرُ فَوَاقِ النَّاقَةِ لَا يَحْتَمِلُ عَمَلًا : بِالْجَوَارِحِ إِنَّمَا هُوَ بِمِقْدَارِ خَاطِرٍ يَخْتَلِجُ فِي الْقَلْبِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَقْتَضِي خَاتِمَةَ السُّوءِ فَكَيْفَ يُؤْمِنُ ذَلِكَ ؟! فَإِذَنْ أَقْصَى غَايَاتِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَعْتَدِلَ خَوْفُهُ ، وَرَجَاؤُهُ وَغَلَبَةُ الرَّجَاءِ فِي غَالِبِ النَّاسِ ، تَكُونُ مُسْتَنِدَةً لِلِاغْتِرَارِ وَقِلَّةَ الْمَعْرِفَةِ ؛ وَلِذَلِكَ جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا فِي وَصْفِ مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=90وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَأَيْنَ مِثْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَالْخَلْقُ الْمَوْجُودُونَ فِي هَذَا الزَّمَانِ كُلُّهُمُ الْأَصْلَحُ لَهُمْ غَلَبَةُ الْخَوْفِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخْرِجَهُمْ إِلَى الْيَأْسِ وَتَرْكِ الْعَمَلِ ، وَقَطْعِ الطَّمَعِ مِنَ الْمَغْفِرَةِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلتَّكَاسُلِ عَنِ الْعَمَلِ ، وَدَاعِيًا إِلَى الِانْهِمَاكِ فِي الْمَعَاصِي ، فَإِنَّ ذَلِكَ قُنُوطٌ وَلَيْسَ بِخَوْفٍ ، إِنَّمَا الْخَوْفُ هُوَ الَّذِي يَحُثُّ عَلَى الْعَمَلِ ، وَيُكَدِّرُ جَمِيعَ الشَّهَوَاتِ وَيُزْعِجُ الْقَلْبَ عَنِ الرُّكُونِ إِلَى الدُّنْيَا : وَيَدْعُوهُ إِلَى التَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ فَهُوَ الْخَوْفُ الْمَحْمُودُ دُونَ حَدِيثِ النَّفْسِ الَّذِي لَا يُؤْثِرُ فِي الْكَفِّ وَالْحَثِّ وَدُونَ الْيَأْسِ الْمُوجِبِ لِلْقُنُوطِ .
وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17335يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَحْضِ الْخَوْفِ غَرِقَ فِي بِحَارِ الْأَفْكَارِ وَمَنْ عَبَدَهُ بِمَحْضِ الرَّجَاءِ : تَاهَ فِي مَفَازَةِ الِاغْتِرَارِ ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ اسْتَقَامَ فِي مَحَجَّةِ الْأَذْكَارِ
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17134مَكْحُولٌ الدِّمَشْقِيُّ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِالْخَوْفِ فَهُوَ حَرُورِيٌّ ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالرَّجَاءِ فَهُوَ ، مُرْجِئٌ ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْمَحَبَّةِ فَهُوَ زِنْدِيقٌ وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْخَوْفِ ، وَالرَّجَاءِ ، وَالْمَحَبَّةِ فَهُوَ مُوَحِّدٌ
فَإِذَنْ لَا بُدَّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ ، وَغَلَبَةُ الْخَوْفِ هُوَ الْأَصْلَحُ ، وَلَكِنْ قَبْلِ الْإِشْرَافِ عَلَى الْمَوْتِ ، أَمَّا عِنْدَ الْمَوْتِ فَالْأَصْلَحُ غَلَبَةُ الرَّجَاءِ وَحُسْنُ الظَّنِّ لِأَنَّ الْخَوْفَ جَارٍ مَجْرَى السَّوْطِ الْبَاعِثِ عَلَى الْعَمَلِ وَقَدِ انْقَضَى وَقْتُ الْعَمَلِ ، فَالْمُشْرِفُ عَلَى الْمَوْتِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ ثُمَّ لَا يُطِيقُ أَسْبَابَ الْخَوْفِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُقَطِّعُ نِيَاطَ قَلْبِهِ وَيُعِينُ عَلَى تَعْجِيلِ مَوْتِهِ .وَأَمَّا رُوحُ الرَّجَاءِ فَإِنَّهُ يُقَوِّي قَلْبَهُ ، وَيُحَبِّبُ إِلَيْهِ رَبَّهُ ، الَّذِي إِلَيْهِ ، رَجَاؤُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَارِقَ أَحَدٌ الدُّنْيَا إِلَّا مُحِبًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِيَكُونَ مُحِبًّا لِلِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ تَعَالَى أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ .