وأما الثاني وهو الأعلى فأن يكون الله هو ، المخوف أعني أن يخاف ، العبد الحجاب عنه ويرجو القرب منه .
قال ذو النون رحمه الله تعالى خوف النار عند خوف الفراق كقطرة قطرت في بحر لجي : وهذه
nindex.php?page=treesubj&link=34149خشية العلماء ، حيث قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إنما يخشى الله من عباده العلماء ولعموم المؤمنين أيضا حظ من هذه الخشية ولكن هو بمجرد التقليد أيضا هي خوف الصبي من الحية تقليدا لأبيه وذلك لا يستند إلى بصيرة فلا جرم يضعف ويزول على قرب ، حتى إن الصبي ربما يرى المعزم يقدم على أخذ الحية فينظر إليه ويغتر به فيتجرأ على أخذها تقليدا له كما احترز من أخذها تقليدا لأبيه والعقائد التقليدية ضعيفة في الغالب إلا إذا قويت بمشاهدة أسبابها المؤكدة لها على الدوام ، وبالمواظبة على مقتضاها في تكثير الطاعات ، واجتناب المعاصي ، مدة طويلة على الاستمرار فإذن من ارتقى إلى ذروة المعرفة : وعرف الله تعالى خافه بالضرورة ، فلا يحتاج إلى علاج لجلب الخوف ، كما أن من عرف السبع ورأى نفسه واقعا في مخالبه لا يحتاج إلى علاج لجلب الخوف إلى قلبه بل يخافه بالضرورة شاء أم أبى ؛ ولذلك أوحى الله تعالى إلى داود عليه : الصلاة والسلام خفني كما تخاف السبع الضاري .
ولا حيلة في جلب الخوف من السبع الضاري إلا معرفة السبع ، ومعرفة الوقوع في مخالبه ، فلا يحتاج إلى حيلة ، سواه ، فمن عرف الله تعالى عرف أنه يفعل ما يشاء ولا يبالي ، ويحكم ما يريد ، ولا يخاف قرب الملائكة من غير وسيلة سابقة وأبعد إبليس من غير جريمة سالفة بل صفته ما ترجمه قوله تعالى هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي .
وإن خطر ببالك أنه لا يعاقب إلا على معصية ، ولا يثيب إلا على طاعة ، فتأمل أنه لم يمد المطيع بأسباب الطاعة حتى يطيع شاء أم أبى ، ولم يمد العاصي بدواعي المعصية حتى يعصي شاء أم أبى ، فإنه مهما خلق الغفلة والشهوة والقدرة على قضاء الشهوة كان الفعل واقعا بها بالضرورة ، فإن كان أبعده لأنه عصاه فلم حمله على المعصية ؟! هل ذلك لمعصية سابقة حتى يتسلسل إلى غير نهاية أو يقف لا محالة على أول لا علة له من جهة العبد ، بل قضي عليه في الأزل .وعن هذا المعنى عبر صلى الله عليه وسلم إذ قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661803احتج آدم موسى عليهما الصلاة والسلام عند ربهما فحج آدم موسى عليه السلام قال موسى : أنت آدم الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وأسكنك جنته ، ثم أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض ؟! .
فقال آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته ، وبكلامه وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء ، وقربك نجيا ؟! فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق ؟ قال : موسى بأربعين عاما .
قال آدم : فهل وجدت فيها : nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=121وعصى آدم ربه فغوى ؟ قال : نعم .
قال : أفتلومني على أن عملت عملا كتبه الله علي قبل أن أعمله وقبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟! قال صلى الله عليه وسلم : فحج آدم موسى .
فمن عرف السبب في هذا الأمر معرفة صادرة عن نور الهداية فهو من خصوص العارفين المطلعين على سر القدر ، ومن سمع هذا فآمن به ، وصدق بمجرد السماع ، فهو من عموم المؤمنين ، ويحصل لكل واحد من الفريقين خوف فإن كل عبد فهو واقع في قبضة القدرة وقوع الصبي الضعيف في مخالب السبع ، والسبع قد يغفل بالاتفاق فيخليه وقد يهجم عليه فيفترسه ، وذلك بحسب ما يتفق ؛ ولذلك الاتفاق أسباب مرتبة بقدر معلوم ولكن إذا أضيف إلى من لا يعرفه سمي اتفاقا ، وإن أضيف إلى علم الله لم يجز أن يسمى اتفاقا ، والواقع في مخالب السبع لو كملت معرفته لكان لا يخاف السبع ، لأن السبع مسخر ، إن سلط عليه الجوع افترس ، وإن سلط عليه الغفلة خلى وترك ، فإنما يخاف خالق السبع وخالق صفاته فلست أقول : مثال
nindex.php?page=treesubj&link=19979الخوف من الله تعالى الخوف من السبع ، بل إذا كشف الغطاء علم أن الخوف من السبع هو عين الخوف من الله تعالى ؛ لأن المهلك بواسطة السبع هو الله فاعلم أن سباع الآخرة مثل سباع الدنيا ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=30415_30437الله تعالى خلق أسباب العذاب ، وأسباب الثواب ، وخلق لكل واحد أهلا يسوقه القدر المتفرع عن القضاء الجزم الأزلي إلى ما خلق له ، فخلق الجنة ، وخلق لها أهلا سخروا لأسبابها شاءوا أم أبوا ، وخلق النار وخلق لها أهلا سخروا لأسبابها شاءوا أم أبوا فلا يرى أحد نفسه في ملتطم أمواج القدر إلا غلبه الخوف بالضرورة ، فهذه مخاوف العارفين بسر القدر ، فمن قعد به القصور عن الارتفاع إلى مقام الاستبصار فسبيله أن يعالج نفسه بسماع الأخبار والآثار ، فيطالع أحوال الخائفين العارفين وأقوالهم وينسب عقولهم ومناصبهم إلى مناصب الراجين المغرورين فلا يتمارى : في أن الاقتداء بهم أولى لأنهم الأنبياء ، والأولياء ، والعلماء .
وأما الآمنون فهم الفراعنة ، والجهال والأغبياء
أما
nindex.php?page=treesubj&link=25037رسولنا صلى الله عليه وسلم فهو سيد الأولين والآخرين .
وكان أشد الناس خوفا حتى روي أنه كان يصلي على طفل ، ففي رواية أنه سمع في دعائه يقول:
اللهم قه عذاب القبر ، وعذاب النار
وفي رواية ثانية
nindex.php?page=hadith&LINKID=668182أنه سمع : قائلا يقول: هنيئا لك عصفور من عصافير الجنة ، فغضب وقال : ما يدريك أنه كذلك ؟! والله إني رسول الله ، وما أدري ما يصنع بي ، إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلا ، لا يزاد فيهم ، ولا ينقص منهم وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك أيضا على جنازة
nindex.php?page=showalam&ids=5559عثمان بن مظعون وكان من المهاجرين الأولين لما قالت
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة هنيئا لك الجنة فكانت تقول
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة بعد ذلك : والله لا أزكي أحدا بعد
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان
وقال محمد بن خولة الحنفية والله لا أزكي أحدا غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أبي الذي ولدني ، قال : فثارت الشيعة عليه فأخذ يذكر من فضائل
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ومناقبه .
وروي في حديث آخر
nindex.php?page=hadith&LINKID=944672عن رجل من أهل الصفة استشهد ، فقالت أمه : هنيئا لك عصفور من عصافير الجنة ، هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقتلت في سبيل الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : وما يدريك لعله كان يتكلم بما لا ، ينفعه ويمنع ما لا يضره .
وفي حديث آخر
nindex.php?page=hadith&LINKID=944672أنه دخل صلى الله عليه وسلم على بعض أصحابه وهو عليل ، فسمع امرأة تقول : هنيئا لك الجنة ، فقال صلى الله عليه وسلم : من هذه المتألية على الله ؟! تعالى فقال المريض : هي أمي يا رسول الله ، فقال : وما يدريك لعل فلانا كان يتكلم بما لا يعنيه ويبخل بما لا يغنيه
وكيف لا يخاف المؤمنون كلهم وهو صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=939419شيبتني هود وأخواتها
سورة الواقعة وإذا الشمس كورت ، وعم يتساءلون فقال العلماء : لعل ذلك لما في سورة هود من الإبعاد ؛ كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=60ألا بعدا لعاد قوم هود ،
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=68ألا بعدا لثمود ،
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=95ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود مع علمه صلى الله عليه وسلم بأنه لو شاء الله ما أشركوا إذ لو شاء لآتى كل نفس هداها وفي سورة الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة أي جف القلم بما هو كائن وتمت السابقة حتى نزلت الواقعة إما خافضة قوما كانوا مرفوعين في الدنيا ، وإما رافعة قوما كانوا مخفوضين في الدنيا .
وفي سورة التكوير
nindex.php?page=treesubj&link=30296أهوال يوم القيامة وانكشاف الخاتمة وهو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=12وإذا الجحيم سعرت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=13وإذا الجنة أزلفت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=14علمت نفس ما أحضرت وفي عم يتساءلون :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ، الآية ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا .
وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الْأَعْلَى فَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ هُوَ ، الْمَخُوفُ أَعْنِي أَنْ يَخَافَ ، الْعَبْدُ الْحِجَابَ عَنْهُ وَيَرْجُوَ الْقُرْبَ مِنْهُ .
قَالَ ذُو النُّونِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خَوْفُ النَّارِ عِنْدَ خَوْفِ الْفِرَاقِ كَقَطْرَةٍ قُطِّرَتْ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ : وَهَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=34149خَشْيَةُ الْعُلَمَاءِ ، حَيْثُ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ وَلِعُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا حَظٌّ مِنْ هَذِهِ الْخَشْيَةِ وَلَكِنْ هُوَ بِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ أَيْضًا هِيَ خَوْفَ الصَّبِيِّ مِنَ الْحَيَّةِ تَقْلِيدًا لِأَبِيهِ وَذَلِكَ لَا يَسْتَنِدُ إِلَى بَصِيرَةٍ فَلَا جَرَمَ يَضْعُفُ وَيَزُولُ عَلَى قُرْبٍ ، حَتَّى إِنَّ الصَّبِيَّ رُبَّمَا يَرَى الْمُعَزِّمَ يُقْدِمُ عَلَى أَخْذِ الْحَيَّةِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَغْتَرُّ بِهِ فَيَتَجَرَّأُ عَلَى أَخْذِهَا تَقْلِيدًا لَهُ كَمَا احْتَرَزَ مِنْ أَخْذِهَا تَقْلِيدًا لِأَبِيهِ وَالْعَقَائِدُ التَّقْلِيدِيَّةُ ضَعِيفَةٌ فِي الْغَالِبِ إِلَّا إِذَا قَوِيَتْ بِمُشَاهَدَةِ أَسْبَابِهَا الْمُؤَكِّدَةِ لَهَا عَلَى الدَّوَامِ ، وَبِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى مُقْتَضَاهَا فِي تَكْثِيرِ الطَّاعَاتِ ، وَاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي ، مُدَّةً طَوِيلَةً عَلَى الِاسْتِمْرَارِ فَإِذَنْ مَنِ ارْتَقَى إِلَى ذُرْوَةِ الْمَعْرِفَةِ : وَعَرَفَ اللَّهَ تَعَالَى خَافَهُ بِالضَّرُورَةِ ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى عِلَاجٍ لِجَلْبِ الْخَوْفِ ، كَمَا أَنَّ مَنْ عَرَفَ السَّبُعَ وَرَأَى نَفْسَهُ وَاقِعًا فِي مَخَالِبِهِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى عِلَاجٍ لِجَلْبِ الْخَوْفِ إِلَى قَلْبِهِ بَلْ يَخَافُهُ بِالضَّرُورَةِ شَاءَ أَمْ أَبَى ؛ وَلِذَلِكَ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ : الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَفْنِي كَمَا تَخَافُ السَّبُعَ الضَّارِيَ .
وَلَا حِيلَةَ فِي جَلْبِ الْخَوْفِ مِنَ السَّبُعِ الضَّارِي إِلَّا مَعْرِفَةَ السَّبُعِ ، وَمَعْرِفَةَ الْوُقُوعِ فِي مَخَالِبِهِ ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى حِيلَةٍ ، سِوَاهُ ، فَمَنْ عَرَفَ اللَّهَ تَعَالَى عَرَفَ أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَلَا يُبَالِي ، وَيُحْكِمُ مَا يُرِيدُ ، وَلَا يَخَافُ قُرْبَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ غَيْرِ وَسِيلَةٍ سَابِقَةٍ وَأَبْعَدَ إِبْلِيسَ مِنْ غَيْرِ جَرِيمَةٍ سَالِفَةٍ بَلْ صِفَتُهُ مَا تَرْجَمَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاءِ فِي النَّارِ وَلَا أُبَالِي .
وَإِنْ خَطَرَ بِبَالِكَ أَنَّهُ لَا يُعَاقِبُ إِلَّا عَلَى مَعْصِيَةٍ ، وَلَا يُثِيبُ إِلَّا عَلَى طَاعَةٍ ، فَتَأَمَّلْ أَنَّهُ لَمْ يُمِدَّ الْمُطِيعَ بِأَسْبَابِ الطَّاعَةِ حَتَّى يُطِيعَ شَاءَ أَمْ أَبَى ، وَلَمْ يُمِدَّ الْعَاصِيَ بِدَوَاعِي الْمَعْصِيَةِ حَتَّى يَعْصِيَ شَاءَ أَمْ أَبَى ، فَإِنَّهُ مَهْمَا خَلَقَ الْغَفْلَةَ وَالشَّهْوَةَ وَالْقُدْرَةَ عَلَى قَضَاءِ الشَّهْوَةِ كَانَ الْفِعْلُ وَاقِعًا بِهَا بِالضَّرُورَةِ ، فَإِنْ كَانَ أَبْعَدَهُ لِأَنَّهُ عَصَاهُ فَلِمَ حَمَلَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ؟! هَلْ ذَلِكَ لِمَعْصِيَةٍ سَابِقَةٍ حَتَّى يَتَسَلْسَلَ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ أَوْ يَقِفَ لَا مَحَالَةَ عَلَى أَوَّلٍ لَا عِلَّةَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ ، بَلْ قُضِيَ عَلَيْهِ فِي الْأَزَلِ .وَعَنْ هَذَا الْمَعْنَى عَبَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661803احْتَجَّ آدَمُ مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَ رَبِّهِمَا فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ مُوسَى : أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ ، ثُمَّ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إِلَى الْأَرْضِ ؟! .
فَقَالَ آدَمُ : أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ ، وَبِكَلَامِهِ وَأَعْطَاكَ الْأَلْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَقَرَّبَكَ نَجِيًّا ؟! فَبِكَمْ وَجَدْتَ اللَّهَ كَتَبَ التَّوْرَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ ؟ قَالَ : مُوسَى بِأَرْبَعِينَ عَامًا .
قَالَ آدَمُ : فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا : nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=121وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلًا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أَعْمَلَهُ وَقَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً ؟! قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى .
فَمَنْ عَرَفَ السَّبَبَ فِي هَذَا الْأَمْرِ مَعْرِفَةً صَادِرَةً عَنْ نُورِ الْهِدَايَةِ فَهُوَ مِنْ خُصُوصِ الْعَارِفِينَ الْمُطَّلِعِينَ عَلَى سِرِّ الْقَدَرِ ، وَمَنْ سَمِعَ هَذَا فَآمَنَ بِهِ ، وَصَدَّقَ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ ، فَهُوَ مِنْ عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَيَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ خَوْفٌ فَإِنَّ كُلَّ عَبْدٍ فَهُوَ وَاقِعٌ فِي قَبْضَةِ الْقُدْرَةِ وُقُوعَ الصَّبِيِّ الضَّعِيفِ فِي مَخَالِبِ السَّبُعِ ، وَالسَّبْعُ قَدْ يَغْفُلُ بِالِاتِّفَاقِ فَيُخَلِّيهِ وَقَدْ يَهْجُمُ عَلَيْهِ فَيَفْتَرِسُهُ ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقُ ؛ وَلِذَلِكَ الِاتِّفَاقِ أَسْبَابٌ مُرَتَّبَةٌ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ وَلَكِنْ إِذَا أُضِيفَ إِلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُ سُمِّيَ اتِّفَاقًا ، وَإِنْ أُضِيفَ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَمَّى اتِّفَاقًا ، وَالْوَاقِعُ فِي مَخَالِبِ السَّبُعِ لَوْ كَمُلَتْ مَعْرِفَتُهُ لَكَانَ لَا يَخَافُ السَّبُعَ ، لَأَنَّ السَّبُعَ مُسَخَّرٌ ، إِنْ سَلَّطَ عَلَيْهِ الْجُوعَ افْتَرَسَ ، وَإِنْ سَلَّطَ عَلَيْهِ الْغَفْلَةَ خَلَّى وَتَرَكَ ، فَإِنَّمَا يَخَافُ خَالِقَ السَّبُعِ وَخَالِقَ صِفَاتِهِ فَلَسْتُ أَقُولُ : مِثَالُ
nindex.php?page=treesubj&link=19979الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى الْخَوْفُ مِنَ السَّبُعِ ، بَلْ إِذَا كُشِفَ الْغِطَاءُ عُلِمَ أَنَّ الْخَوْفَ مِنَ السَّبُعِ هُوَ عَيْنُ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الْمُهْلِكَ بِوَاسِطَةِ السَّبُعِ هُوَ اللَّهُ فَاعْلَمْ أَنَّ سِبَاعَ الْآخِرَةِ مِثْلَ سِبَاعِ الدُّنْيَا ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30415_30437اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ أَسْبَابَ الْعَذَابِ ، وَأَسْبَابَ الثَّوَابِ ، وَخَلَقَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَهْلًا يَسُوقُهُ الْقَدَرُ الْمُتَفَرِّعُ عَنِ الْقَضَاءِ الْجَزْمُ الْأَزَلِيُّ إِلَى مَا خُلِقَ لَهُ ، فَخَلَقَ الْجَنَّةَ ، وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا سُخِّرُوا لِأَسْبَابِهَا شَاءُوا أَمْ أَبَوْا ، وَخَلَقَ النَّارَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا سُخِّرُوا لِأَسْبَابِهَا شَاءُوا أَمْ أَبَوْا فَلَا يَرَى أَحَدٌ نَفْسَهُ فِي مُلْتَطِمِ أَمْوَاجِ الْقَدَرِ إِلَّا غَلَبَهُ الْخَوْفُ بِالضَّرُورَةِ ، فَهَذِهِ مَخَاوِفُ الْعَارِفِينَ بِسِرِّ الْقَدَرِ ، فَمَنْ قَعَدَ بِهِ الْقُصُورُ عَنِ الِارْتِفَاعِ إِلَى مَقَامِ الِاسْتِبْصَارِ فَسَبِيلُهُ أَنْ يُعَالَجَ نَفْسَهُ بِسَمَاعِ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ ، فَيُطَالِعَ أَحْوَالَ الْخَائِفِينَ الْعَارِفِينَ وَأَقْوَالَهُمْ وَيُنْسَبُ عُقُولُهُمْ وَمَنَاصِبُهُمْ إِلَى مَنَاصِبِ الرَّاجِينَ الْمَغْرُورِينَ فَلَا يُتَمَارَى : فِي أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِهِمْ أَوْلَى لِأَنَّهُمُ الْأَنْبِيَاءُ ، وَالْأَوْلِيَاءُ ، وَالْعُلَمَاءُ .
وَأَمَّا الْآمِنُونَ فَهُمُ الْفَرَاعِنَةُ ، وَالْجُهَّالُ وَالْأَغْبِيَاءُ
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=25037رَسُولُنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ .
وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ خَوْفًا حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى طِفْلٍ ، فَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ سُمِعَ فِي دُعَائِهِ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ قِهِ عَذَابَ الْقَبْرِ ، وَعَذَابَ النَّارِ
وَفِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ
nindex.php?page=hadith&LINKID=668182أَنَّهُ سَمِعَ : قَائِلًا يَقُولُ: هَنِيئًا لَكَ عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ ، فَغَضِبَ وَقَالَ : مَا يُدْرِيكِ أَنَّهُ كَذَلِكَ ؟! وَاللَّهِ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، وَمَا أَدْرِي مَا يُصْنَعُ بِي ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا ، لَا يُزَادُ فِيهِمْ ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُمْ وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى جِنَازَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=5559عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَكَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ لَمَّا قَالَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمُّ سَلَمَةَ هَنِيئًا لَكَ الْجَنَّةُ فَكَانَتْ تَقُولُ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمُّ سَلَمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ : وَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ خَوْلَةَ الْحَنَفِيَّةِ وَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا أَبِي الَّذِي وَلَدَنِي ، قَالَ : فَثَارَتِ الشِّيعَةُ عَلَيْهِ فَأَخَذَ يَذْكُرُ مِنْ فَضَائِلِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ وَمَنَاقِبِهِ .
وَرُوِيَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=944672عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ اسْتُشْهِدَ ، فَقَالَتْ أُمُّهُ : هَنِيئًا لَكَ عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ ، هَاجَرَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقُتِلَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا ، يَنْفَعُهُ وَيَمْنَعُ مَا لَا يَضُرُّهُ .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=944672أَنَّهُ دَخَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَهُوَ عَلِيلٌ ، فَسَمِعَ امْرَأَةً تَقُولُ : هَنِيئًا لَكَ الْجَنَّةُ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ هَذِهِ الْمُتَأَلِّيَةُ عَلَى اللَّهِ ؟! تَعَالَى فَقَالَ الْمَرِيضُ : هِيَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : وَمَا يُدْرِيكِ لَعَلَّ فُلَانًا كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَعْنِيهِ وَيَبْخَلُ بِمَا لَا يُغْنِيهِ
وَكَيْفَ لَا يَخَافُ الْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=939419شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا
سُورَةُ الْوَاقِعَةِ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ : لَعَلَّ ذَلِكَ لِمَا فِي سُورَةِ هُودٍ مِنَ الْإِبْعَادِ ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=60أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=68أَلا بُعْدًا لِثَمُودَ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=95أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ مَعَ عِلْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا إِذْ لَوْ شَاءَ لَآتَى كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَفِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ أَيْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ وَتَمَّتِ السَّابِقَةُ حَتَّى نَزَلَتِ الْوَاقِعَةُ إِمَّا خَافِضَةً قَوْمًا كَانُوا مَرْفُوعِينَ فِي الدُّنْيَا ، وَإِمَّا رَافِعَةً قَوْمًا كَانُوا مَخْفُوضِينَ فِي الدُّنْيَا .
وَفِي سُورَةِ التَّكْوِيرِ
nindex.php?page=treesubj&link=30296أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَانْكِشَافُ الْخَاتِمَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=12وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=13وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=14عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ وَفِي عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ، الْآيَةَ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا .