الثالث : أن يكون غرضه السمعة والرياء والشهرة ، فينبغي أن يرد عليه قصده الفاسد ولا يقبله إذ يكون معينا له على غرضه الفاسد .
وكان سفيان الثوري يرد ما يعطى ويقول : لو علمت أنهم لا يذكرون ذلك افتخارا به لأخذت ، وعوتب بعضهم في رد ما كان يأتيه من صلة فقال : إنما أرد صلتهم إشفاقا عليهم ونصحا لهم لأنهم يذكرون ذلك ويحبون أن يعلم به فتذهب أموالهم وتحبط أجورهم .
وأما غرضه في الأخذ فينبغي أن ينظر أهو محتاج إليه فيما لا بد منه أو هو مستغن عنه ، فإن كان محتاجا إليه وقد سلم من الشبهة والآفات التي ذكرناها في المعطي فالأفضل له الأخذ قال النبي : صلى الله عليه وسلم ما المعطي من سعة بأعظم أجرا من الآخذ إذا كان محتاجا وقال صلى الله عليه وسلم : من أتاه شيء من هذا المال من غير مسألة ولا استشراف فإنما هو رزق ساقه الله إليه ، وفي لفظ آخر : فلا يرده .
وقال بعض العلماء : من أعطي ولم يأخذ سأل ولم يعط .
وقد كان سري السقطي يوصل إلى أحمد بن حنبل رحمة الله عليهما شيئا فرده مرة فقال له السري : يا أحمد ، احذر آفة الرد فإنها أشد من آفة الأخذ ، فقال له أحمد : أعد علي ما قلت ، فأعاده فقال أحمد : ما رددت عليك إلا لأن عندي قوت شهر فاحبسه ، لي عندك فإذا كان بعد شهر فأنفذه إلي وقد قال بعض العلماء يخاف في الرد مع الحاجة عقوبة من ابتلاء بطمع أو دخول في شبهة أو غيره فأما إذا كان ما أتاه زائدا على حاجته فلا يخلو إما أن يكون حاله الاشتغال بنفسه أو التكفل بأمور الفقراء والإنفاق عليهم لما في طبعه من الرفق والسخاء فإن كان مشغولا بنفسه فلا وجه لأخذه وإمساكه إن كان طالبا طريق الآخرة ، فإن ذلك محض اتباع الهوى وكل عمل ليس لله فهو سبيل الشيطان أو داع إليه ، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ثم له مقامان أحدهما : أن يأخذ في العلانية ويرد في السر أو يأخذ في العلانية ويفرق في السر ، وهذا مقام الصديقين وهو شاق على النفس لا يطيقه إلا من اطمأنت نفسه بالرياضة والثاني : أن يترك ولا يأخذ ليصرفه صاحبه إلى من هو أحوج منه أو يأخذ ويوصل إلى من هو أحوج منه فيفعل كليهما في السر أو كليهما في العلانية .


