ولما سئل رسول الله : صلى الله عليه وسلم : عن معنى الشرح في قوله تعالى : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام   وقيل له : ما هذا الشرح قال : إن النور إذا دخل في القلب انشرح له الصدر وانفسح ، قيل : يا رسول الله ، وهل لذلك من علامة ؟ قال : نعم ، التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله ، فانظر كيف جعل الزهد شرطا للإسلام  وهو التجافي عن دار الغرور وقال : صلى الله عليه وسلم استحيوا من الله حق الحياء ، قالوا : إنا لنستحي منه تعالى ، فقال ليس كذلك تبنون ما لا تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون  . فبين أن ذلك يناقض الحياء من الله تعالى ولما قدم عليه بعض الوفود قالوا : إنا مؤمنون ، قال : وما علامة إيمانكم ؟ فذكروا الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء ، والرضا بمواقع القضاء ، وترك الشماتة بالمصيبة إذا نزلت بالأعداء ، فقال : صلى الله عليه وسلم : إن كنتم كذلك فلا تجمعوا ما لا تأكلون ، ولا تبنوا ما لا تسكنون ، ولا تنافسوا فيما عنه ترحلون  ، فجعل الزهد تكملة لإيمانهم، وقال ، جابر  رضي الله عنه: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من جاء : بلا إله إلا الله لا يخلط بها غيره وجبت له الجنة فقام إليه علي كرم الله وجهه فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ما لا يخلط بها غيرها ، صفه لنا ، فسره لنا؟ فقال : حب الدنيا طلبا لها واتباعا لها وقوم يقولون قول الأنبياء ويعملون عمل الجبابرة ، فمن جاء بلا إله إلا الله ليس فيها شيء من هذا وجبت له الجنة وفي الخبر : السخاء من اليقين ولا يدخل النار موقن والبخل من الشك ولا يدخل الجنة من شك وقال أيضا : السخي قريب من الله ، قريب من الناس ، قريب من الجنة ، بعيد من النار ، والبخيل بعيد من الله ، بعيد من الناس ، بعيد من الجنة ، قريب من النار والبخل ثمرة الرغبة في الدنيا والسخاء ثمرة الزهد   . 
والثناء على الثمرة ثناء على المثمر لا محالة . 
وروي عن ابن المسيب  عن  أبي ذر  عن رسول الله : صلى الله عليه وسلم : أنه قال : من زهد في الدنيا أدخل الله الحكمة قلبه فأنطق بها لسانه  وعرفه داء الدنيا ودواءها ، وأخرجه منها سالما إلى دار السلام وروي أنه : صلى الله عليه وسلم مر في أصحابه بعشار من النوق حفل وهي الحوامل وكانت من أحب أموالهم إليهم ، وأنفسها عندهم لأنها تجمع الظهر واللحم واللبن والوبر ولعظمها في قلوبهم قال الله تعالى وإذا العشار عطلت  قال : فأعرض عنها رسول الله : صلى الله عليه وسلم وغض بصره ، فقيل له : يا رسول الله : هذه أنفس أموالنا لم لا تنظر إليها ؟ فقال : قد نهاني الله عن ذلك ، ثم تلا قوله تعالى : ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به  الآية وروى مسروق  عن  عائشة  رضي الله عنها : قالت : قلت : يا رسول الله ، ألا تستطعم الله فيطعمك قالت : وبكيت لما رأيت به من الجوع ، فقال : يا  عائشة ،  والذي نفسي بيده لو سألت ربي أن يجري معي جبال الدنيا ذهبا لأجراها حيث شئت من الأرض ، ولكن اخترت جوع الدنيا على شبعها وفقر الدنيا على غناها وحزن الدنيا على فرحها ، يا  عائشة ،  إن الدنيا لا تنبغي لمحمد  ولا لآل محمد ،  يا  عائشة ،  إن الله لم يرض لأولي العزم من الرسل إلا الصبر على مكروه الدنيا والصبر عن محبوبها ، ثم لم يرض إلا أن يكلفني ما كلفهم فقال : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل  والله ما لي بد من طاعته ، وإني والله لأصبرن كما صبروا بجهدي ولا قوة إلا بالله وروي عن عمر   : رضي الله عنه : أنه حين فتح عليه الفتوحات قالت له ابنته  حفصة  رضي الله عنها : البس ألين الثياب إذا وفدت عليك الوفود من الآفاق ، ومر بصنعة طعام تطعمه وتطعم من حضر فقال  عمر :  يا  حفصة  ألست تعلمين أن أعلم الناس بحال الرجل أهل بيته ؟ فقالت : بلى ، قال : ناشدتك الله هل تعلمين أن رسول الله : صلى الله عليه وسلم لبث في النبوة كذا وكذا سنة لم يشبع هو ولا أهل بيته غدوة إلا جاعوا عشية ، ولا شبعوا عشية إلا جاعوا غدوة ؟ وناشدتك الله ، هل تعلمين أن النبي : صلى الله عليه وسلم لبث في النبوة كذا وكذا سنة لم يشبع من التمر وهو وأهله حتى فتح الله عليه خيبر ؟  وناشدتك الله ، هل تعلمين أن رسول الله : صلى الله عليه وسلم قربتم إليه يوما طعاما على مائدة فيها ارتفاع فشق ذلك عليه حتى تغير لونه ثم أمر بالمائدة فرفعت ، ووضع الطعام على دون ذلك أو وضع على الأرض ؟ وناشدتك الله هل تعلمين أن رسول الله : صلى الله عليه وسلم : كان ينام على عباءة مثنية فثنيت له ليلة أربع طاقات فنام عليها فلما استيقظ قال : منعتموني قيام الليلة بهذه العباءة ، اثنوها باثنتين كما كنتم تثنونها ؟. وناشدتك الله ، هل تعلمين أن رسول الله : صلى الله عليه وسلم : كان يضع ثيابه لتغسل فيأتيه  بلال  فيؤذنه بالصلاة فما يجد ثوبا يخرج به إلى الصلاة حتى تجف ثيابه فيخرج بها إلى الصلاة ؟ وناشدتك الله هل تعلمين أن رسول الله : صلى الله عليه وسلم صنعت له امرأة من بني ظفر  كساءين إزارا ورداء وبعثت إليه بأحدهما قبل أن يبلغ الآخر ، فخرج إلى الصلاة وهو مشتمل به ليس عليه غيره وقد عقد طرفيه إلى عنقه فصلى كذلك ؟ فما زال يقول حتى أبكاها وبكى  عمر  رضي الله عنه : وانتحب حتى ظننا أن نفسه ستخرج  . 
وفي بعض الروايات زيادة من قول  عمر  وهو أنه قال : كان لي صاحبان سلكا طريقا فإن سلكت غير طريقهما سلك بي طريق غير طريقهما ، وإني والله سأصبر على عيشهما الشديد لعلي أدرك معهما عيشهما الرغيد  . 
     	
		
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					