الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
المهم الثالث : المسكن . وللزهد فيه أيضا ثلاث درجات أعلاها أن لا يطلب موضعا خاصا لنفسه فيقنع بزوايا المساجد كأصحاب الصفة .

وأوسطها أن يطلب موضعا خاصا لنفسه مثل كوخ مبني من سعف أو خص ما يشبهه وأدناها أن يطلب حجرة مبنية إما بشراء أو إجارة فإن كان قدر سعة المسكن على قدر حاجته من غير زيادة ولم يكن فيه زينة لم يخرجه هذا القدر عن آخر درجات الزهد ، فإن طلب التشييد والتجصيص والسعة وارتفاع السقف أكثر من ستة أذرع فقد جاوز بالكلية حد الزهد في المسكن فاختلاف ، جنس البناء بأن يكون من الجص أو القصب أو بالطين أو بالآجر واختلاف قدره بالسعة والضيق واختلاف طوله بالإضافة إلى الأوقات بأن يكون مملوكا أو مستأجرا أو مستعارا والزهد ، مدخل في جميع ذلك .

وبالجملة كل ما يراد للضرورة فلا ينبغي أن يجاوز حد الضرورة .

وقدر الضرورة من الدنيا آلة الدين ووسيلته وما جاوز ذلك فهو مضاد للدين ، والغرض من المسكن دفع المطر والبرد ودفع الأعين والأذى وأقل الدرجات فيه معلوم وما زاد عليه فهو الفضول والفضول كله من الدنيا ، وطالب الفضول والساعي له بعيد من الزهد جدا وقد قيل أول شيء ظهر من طول الأمل بعد رسول الله : صلى الله عليه وسلم التدريز والتشييد يعني بالتدريز كف دروز الثياب فإنها كانت تشل شلا والتشييد هو البنيان بالجص والآجر وإنما كانوا يبنون بالسعف والجريد وقد جاء في الخبر يأتي على الناس زمان يوشون ثيابهم كما توشى البرود اليمانية وأمر رسول الله : صلى الله عليه وسلم العباس أن يهدم علية كان قد علا بها .

ومر عليه السلام بجنبذة معلاة فقال : لمن هذه ؟ قالوا لفلان فلما جاءه الرجل أعرض عنه فلم يكن يقبل عليه كما كان فسأل الرجل أصحابه عن تغيير وجهه صلى الله عليه وسلم فأخبر فذهب فهدمها فمر رسول الله : صلى الله عليه وسلم بالموضع فلم يرها فأخبر بأنه هدمها فدعا له بخير .

وقال الحسن مات رسول الله : صلى الله عليه وسلم : ولم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وقال النبي : صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله بعبد شرا أهلك ماله في الماء والطين وقال عبد الله بن عمر مر علينا رسول الله : صلى الله عليه وسلم ونحن نعالج خصا فقال : ما هذا ؟ قلنا : خص لنا قد وهى فقال : أرى الأمر أعجل من ذلك واتخذ نوح عليه السلام : بيتا من قصب فقيل له : لو بنيت فقال : هذا كثير لمن يموت وقال الحسن دخلنا على صفوان بن محيريز وهو في بيت من قصب قد مال عليه فقيل له لو أصلحته ، فقال : كم من رجل قد مات وهذا قائم على حاله ، وقال النبي : صلى الله عليه وسلم : من بنى فوق ما يكفيه كلف أن يحمله يوم القيامة وفي الخبر كل نفقة في الأرض يؤجر عليها إلا ما أنفقه في الماء والطين وفي قوله تعالى : تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا إنه الرياسة والتطاول في البنيان .

وقال صلى الله عليه وسلم كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما أكن من حر أو برد وقال صلى الله عليه وسلم : للرجل الذي شكا إليه ضيق منزله : اتسع في السماء أي في الجنة ونظر عمر رضي الله عنه : في طريق الشام إلى صرح قد بني بجص وآجر فكبر وقال : ما كنت أظن أن يكون في هذه الأمة من يبني بنيان هامان لفرعون ، يعني قول فرعون : فأوقد لي يا هامان على الطين يعني به الآجر ويقال : إن فرعون هو أول من بني له بالجص والآجر وأول من عمله هامان ثم تبعهما الجبابرة وهذا هو الزخرف ورأى بعض السلف جامعا في بعض الأمصار فقال : أدركت هذا المسجد مبنيا من الجريد والسعف ثم رأيته من رهص ثم رأيته الآن مبنيا باللبن فكان أصحاب السعف خيرا من أصحاب الرهص وكان أصحاب الرهص خيرا من أصحاب اللبن وكان من السلف من يبني داره مرارا في مدة عمره لضعف بنائه وقصر أمله وزهده في إحكام البنيان وكان منهم من إذا حج أو غزا نزع بيته أو وهبه لجيرانه فإذا رجع أعاده وكانت بيوتهم من الحشيش والجلود وهي عادة العرب الآن ببلاد اليمن وكان ارتفاع بناء السقف قامة وبسطة .

قال الحسن كنت إذا دخلت بيوت رسول الله : صلى الله عليه وسلم ضربت بيدي إلى السقف .

وقال عمرو بن دينار إذا أعلى العبد البناء فوق ستة أذرع ناداه ملك إلى أين يا أفسق الفاسقين وقد نهى سفيان عن النظر إلى بناء مشيد وقال : لولا نظر الناس لما شيدوا فالنظر إليه معين عليه .

وقال الفضيل إني لم أعجب ممن بنى وترك ولكن أعجب ممن نظر إليه ولم يعتبر .

وقال ابن مسعود رضي الله عنه يأتي قوم يرفعون الطين ويضعون الدين ويستعملون البرازين يصلون إلى قبلتكم ويموتون على غير دينكم .

التالي السابق


(المهم الثالث: المسكن .

وللزهد أيضا فيه ثلاث درجات أعلاها أن لا يطلب موضعا خاصا لنفسه فيقنع بزوايا المساجد) فيأوي إليها إن كان متجردا عن العيال، وذلك (كأصحاب الصفة) رضوان الله عليهم وهم أناس من فقراء الصحابة ليس لهم مسكن يأوون إليه كانوا يسكنون في صفة المسجد، وكان عددهم يختلف بحسب اختلاف الأوقات والأحوال فربما تفرق عنها وانفض قادموها من الغرباء فيقل عددهم وربما يجتمع فيها واردوها من الوفود فينضم إليهم فيكثروا، والمشهور من أخبارهم غلبة الفقر عليهم وإيثارهم القلة واختيارهم لها، فلم يجتمع لهم ثوبان ولا حضرهم من الأطعمة لونان، وقال أبو هريرة: رأيت سبعين من أهل الصفة يصلون في ثوب فمنهم من يبلغ ركبته ومنهم من هو أسفل [ ص: 361 ] من ذلك فإذا ركع أحدهم قبض عليه مخافة أن تبدو عورته رواه أحمد في الزهد .

(وأوسطها أن يطلب موضعا خاصا لنفسه مثل كوخ مبني من سعف) النخيل وجريده (أو خص) وهو بالضم بيت من قصب فارسي والجمع أخصاص (أو ما يشبهه وأدناها أن يطلب حجرة مبنية) بطين ولبن (إما بشراء أو إجارة) أو استعارة (فإن كان قدر سعة المسكن على قدر حاجاته من غير زيادة ولم تكن فيه زينة لم يخرجه هذا القدر عن آخر درجات الزهد، فإن طلب التشييد والتجصيص والسعة وارتفاع السقف أكثر من ستة أذرع فقد جاوز بالكلية حد الزهد في المسكن، واختلاف جنس البناء بأن يكون من الجص أو القصب أو بالطين أو بالآجر واختلاف قدره بالسعة والضيق واختلاف طوله بالإضافة إلى الأوقات بأن يكون مملوكا أو مستأجرا أو مستعارا، وللزهد مدخل في جميع ذلك وبالجملة كل ما يراد للضرورة فلا ينبغي أن يجاوز حد الضرورة، وقدر الضرورة من الدنيا آلة الدين ووسيلته) بها يصل إليه بل لا يعد من الدنيا .

(وما جاوز ذلك فهو مضاد للدين، والغرض من المسكن دفع المطر والبرد و) حر الشمس و (دفع الأعين) لئلا تتطلع إليه (والأيدي) لئلا تصل إليه (وأقل الدرجات فيه معلوم وما زاد عليه فهو الفضول والفضول كله من الدنيا، وطالب الفضول والساعي له بعيد من الزهد جدا وقد قيل) أول بدعة حدثت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المناخل والموائد و (أول شيء ظهر من طول الأمل بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التدريز والتشييد يعني بالتدريز كف دروز الثياب فإنها كانت تشل شلا) والشلالة هي الخياطة الخفيفة والتدريز هي الكفافة وهي إعادة الخياطة على الشلالة (والتشييد هو البنيان بالجص والآجر) يقال: شيد بناءه إذ بناه بالشيد بالكسر وهو الجص ولا يتم ذلك إلا بالآجر (وإنما كانوا يبنون بالسعف والجريد) وأعلاه بالطين والرهوص، كذا في القوت .

قال العراقي: أما شل الثياب من غير كف فروى الحاكم والطبراني أن عمر قطع ما فضل عن الأصابع من الكم من غير كف، وقال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأما البناء ففي الصحيحين من حديث أنس في قصة بناء مسجد المدينة: فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه الحجارة. الحديث، ولهما من حديث أبي سعيد وكان المسجد على عريش فوكف المسجد، الحديث .

(وقد جاء في الخبر يأتي على الناس زمان يوشون) أي: يزينون (ثيابهم) كذا في النسخ وفي بعضها بنيانهم (كما توشى البرود اليمانية) فإنها تخطط بالألوان المختلفة من الحرير أورده صاحب القوت وأغفله العراقي. (وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) عمه (العباس) بن عبد المطلب - رضي الله عنه - (أن يهدم عليته) بكسر العين واللام والياء المشددتين هي الغرفة المشرفة وجمعها علالي (كان قد علا بها) أي: رفع بناءها قال العراقي: رواه الطبراني من رواية أبي العالية أن العباس بنى غرفة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - اهدمها. الحديث، وهو منقطع (ومر - صلى الله عليه وسلم -) يوما (بجنبذة معلاة) أي: قبة مرتفعة (فقال: لمن هذه؟ قالوا لفلان) وسموا رجلا من أصحابه (فلما جاء الرجل أعرض عنه فلم يكن يقبل عليه كما كان) فاستنكر ذلك من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فسأل الرجل أصحابه عن تغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبر) بالسبب (فذهب فهدمها فمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالموضع فلم يرها) فسأل عنها (فأخبر بأنه هدمها فدعا له بخير) .

أورده صاحب القوت وقال العراقي: رواه أبو داود من حديث أنس بإسناد جيد بلفظ: فرأى قبة مشرفة، الحديث والجنبذة القبة. انتهى .

قلت: ورواه الطبراني في الأوسط، من حديث أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر ببنية قبة لرجل من الأنصار فقال: ما هذا؟ قالوا: قبة [ ص: 362 ] فقال: كل بناء وأشار بيده على رأسه أكبر من هذا فهو وبال على صاحبه يوم القيامة. وروي في الكبير من حديث واثلة: كل بنيان وبال على صاحبه إلا ما كان هذا وأشار بكفه. الحديث .

(وقال الحسن) البصري - رحمه الله تعالى - (مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة) قال العراقي: رواه ابن حبان في الثقات وأبو نعيم في الحلية هكذا مرسلا وللطبراني في الأوسط من حديث عائشة: من سأل عني أو سره أن ينظر إلي فلينظر إلى أشعث شاحب مشمر لم يضع لبنة على لبنة. الحديث، وإسناده ضعيف. انتهى .

قلت: وتمامه: ولا قصبة على قصبة، رفع له العلم فشمر إليه، اليوم المضمار وغدا السباق، والغاية الجنة والنار، وقد رواه كذلك أبو نعيم في الحلية .

(وقال - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد الله بعبد شرا أهلك ماله في الماء والطين) قال العراقي: رواه أبو داود من حديث عائشة بإسناد بلفظ: خضر له في الطين واللبن حتى يبني. انتهى .

قلت: ورواه كذلك الطبراني في معاجمه الثلاثة، والخطيب من حديث جابر ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني، قال الهيتمي: لم أجد من ضعفه وله في الأوسط عن أبي بشير الأنصاري: إذا أراد الله بعبد هوانا أنفق ماله في البنيان، وفي لفظ له بزيادة الماء والطين، وهكذا رواه بهذه الزيادة الحسن بن سفيان وابن أبي الدنيا والبغوي وأبو نعيم في المعرفة والبيهقي وكلهم عن محمد بن بشير الأنصاري قال البغوي: وما له غيره، ورواه أيضا ابن عدي من حديث أنس.

(وقال عبد الله بن عمرو بن العاص) - رضي الله عنهما - (مر علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نعالج خصا فقال: ما هذا؟ قلنا: خص لنا قد وهى، قال: أرى الأمر أعجل من ذلك) قال العراقي: رواه أبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه، انتهى .

قلت: رواه أحمد كذلك ولفظه: قال: الأمر أسرع من ذلك .

(واتخذ نوح - عليه السلام - بيتا من قصب) بأن ربط بعضه على بعض (فقيل: لو بنيت) بالطين (فقال: هذا كثير لمن يموت) ومن هنا قولهم المشهور: بيت العنكبوت، وكثير لمن يموت، (وقال الحسن البصري) - رحمه الله تعالى - (دخلنا على صفوان بن محيريز) هكذا في النسخ وهو غلط والصواب: صفوان بن محرز، وهو ابن زياد المازني البصري العابد ثقة له فضل وورع، قال ابن حبان في الثقات مات سنة أربع وسبعين في ولاية عبد الملك، قال: وكان من العباد اتخذ لنفسه سربا يبكي فيه، وقال الواقدي: توفي في ولاية بشر بن مروان روى له الجماعة غير أبي داود (وهو في بيت من قصب قد مال عليه فقيل له) أي: قال أحد أصحاب الحسن (لو أصلحته، فقال: كم من رجل قد مات وهذا قائم على حاله، وقال - صلى الله عليه وسلم - : من بنى فوق ما يكفيه كلف أن يحمله يوم القيامة) .

قال العراقي رواه الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد فيه لين وانقطاع. اهـ .

قلت: لكن بلفظ: كلف يوم القيامة أن يحمله على عنقه. وقد رواه كذلك أبو نعيم في الحلية والبيهقي وابن عساكر وفي الخبر: كل نفقة ينفقها العبد يؤجر عليها إلا ما أنفقه في الماء والطين. قال العراقي: رواه ابن ماجه من حديث بن خباب بن الأرت بإسناد جيد بلفظ: إلا في التراب أو قال في البناء. انتهى .

قلت: رواه الطبراني بلفظ: كل نفقة ينفقها العبد يؤجر عليها إلا البنيان.

(وفي قوله تعالى: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ) قيل: هو حب الكثرة وطلب (الرياسة والتطاول في البنيان و) كذلك (قال - صلى الله عليه وسلم - كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما أكن من حر وبرد) وفي لفظ: إلا مسجدا من بيوت الله. قال العراقي: رواه أبو داود من حديث أنس بإسناد جيد: إلا ما لا، وإلا ما لا. يعني: ما لا بد منه، انتهى .

قلت: سبق ذكره في حديث القبة عند الطبراني في الأوسط، وفي الكبير قال صاحب القوت: ولذلك جعل التطاول في البنيان من أشراط الساعة وقرب توقع وقوعها في خبر الجساسة أن الدجال سأل هل تطاول الناس في البنيان؟ قالوا: نعم، قال الآن دنا خروجي في أشياء عددها .

(وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : للرجل الذي شكا إليه ضيق منزله: اتسع في السماء) قال المصنف (أي في الجنة) قال العراقي: رواه أبو داود في المراسيل من رواية اليسع بن المغيرة قال: شكا خالد بن الوليد فذكره، وقد وصله الطبراني فقال عن اليسع بن المغيرة عن أبيه عن خالد بن الوليد إلا أنه قال: ارفع إلى السماء واسأل الله السعة، وفي إسناده لين. انتهى. ولفظ القوت: وشكا [ ص: 363 ] العباس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضيق منزله فقال: يا عم، اتسع في السماء، يعني: في طلب الآخرة ولا تطلب سعة الأرض بالدنيا .

(ونظر عمر - رضي الله عنه - في طريق الشام) حين توجهه إليه (إلى صرح) عال (قد بني بجص وآجر فكبر) أي: قال الله أكبر (وقال: ما كنت أظن أن يكون في هذه الأمة من يبني بنيان هامان لفرعون، يعني قول فرعون: فأوقد لي يا هامان على الطين يعني به الآجر ويقال: إن فرعون أول من بني له بالجص والآجر وأول من عمله هامان ثم تبعهما الجبابرة وهذا هو أول الزخرف) كل ذلك في القوت إلا أنه قال: وهذا من الزخرف. (ورأى بعض السلف) مسجدا (جامعا في بعض الأمصار فقال: أدركت هذا المسجد مبنيا من الجريد والسعف ثم رأيته) بعد سنين (مبنيا من رهوص ثم رأيته الآن مبنيا باللبن) والآجر (فكان أصحاب السعف خيرا من أصحاب الرهوص وكان أصحاب الرهوص خيرا من أصحاب اللبن) نقله صاحب القوت .

(وكان من السلف من يبني داره مرارا في مدة عمره لضعف بنائه وقصر أمله وزهده في إحكام البنيان) وإتقانه (وكان منهم من إذا حج أو غزا نزع بيته أو وهبه لجيرانه فإذا رجع أعاده و) العذر في ذلك أنه (كانت بيوتهم من الحشيش) والثمام (والجلود) وهي عادة العرب إلى (الآن ببلاد اليمن) كل ذلك في القوت (وكان ارتفاع بناء السقف) ولفظ القوت: وكان سمك بناء الصحابة (قامة وبسطة قال الحسن) البصري - رحمه الله تعالى - (كنت إذا دخلت بيوت) أصحاب (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضربت بيدي إلى السقف) كذا في القوت .

(وقال عمرو بن دينار) المكي أبو محمد الأثرم الجهمي مولاهم ثقة ثبت مات سنة ست وعشرين ومائة روى له الجماعة (إذا أعلى العبد البنيان فوق ستة أذرع ناداه ملك) الهواء (إلى أين يا أفسق الفاسقين) كذا في القوت (وقد نهى سفيان) الثوري - رحمه الله تعالى - (عن النظر إلى بناء مشيد وقال: لولا نظر الناس لما شيدوه فالنظر إليه معين عليه) ولفظ القوت: وقال بعضهم: كنت أمشي مع سفيان في طريق فنظرت إلى باب مشيد بالجص فقال: لا تنظر إليه، فقلت: يا أبا عبد الله ما تكره من النظر إليه؟ فقال: إذا نظرت إليه كنت عونا له على بنائه; لأنه إنما بناه لينظر إليه ولو كان كل من يمر به لا ينظر إليه ما عمله (وقال الفضيل) بن عياض - رحمه الله تعالى - (إني لا أعجب ممن بنى وترك ولكني أعجب ممن نظر إليه ولم يعتبر) رواه أبو نعيم في الحلية .

(وقال ابن مسعود) - رضي الله عنه - (يأتي قوم يرفعون الطين ويضعون الدين ويستعملون البراذين) وهي خيل الروم (يصلون إلى قبلتكم ويموتون على غير دينكم) وهذا من جملة الأخبار بما سيقع .




الخدمات العلمية